للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إِن النقض بالجملة للقول القياسي يكون على وجهين: إِما بأَن ينقض شكله بأَن يبين أَنه غير منتج؛ وإِما بأَن تقاوم مقدمات القياس أَو النتيجة. فأَما مناقضة النتيجة فإِنما يكون بالضمائر المستخرجة من هذه المواضع؛ لأَن الضمائر إِنما تؤلف من الظنون، والظنون يلحقها أَن تكون في الشيءِ الواحد متضادة، فينتج عن ذلك أَشياء متضادة، أَعني أَنه يؤلف منها ضمير ينتج الشيءُ وضمير ينتج مقابله. وهذا أَيضا يلحق في المقدمات المشهورة في الجدل، بخلاف ما عليه الأَمر في صناعة البرهان. فأَما معاندة مقدمات القياس فإِنها أَربع، كما قيل في الثامنة من طوبيقى: إِما معاندة المقدمة التي لزمت عنها النتيجة، وإِما معاندة القول، وإِما أَن تكون المعاندة بحسب السائل، وإِما أَن تكون من قبل تطويل زمان المناظرة. والمواضع التي تؤخذ منها معاندة المقدمات هاهنا أَربعة: إِما الأَشياءِ التي هي موجودة في الشيءِ الذي تقصد معاندته، وذلك مثل الكلي والجزئي، وإِما من الأُمور التي من خارج، وهذا صنفان: إِما من الضد، وإِما من الشبيه. والرابع: المقاومة التي تكون بحسب رأي الرجل المشهور المقبول الحكم، أَعني إِذا كان رأيه مضاداً للمقدمة الموضوعة.

أَما الإِبطال الذي يكون من نفس الأَمر فمثل لَوْ وضَع واضعٌ أَن الرياسة خير وأَنه أَن يكون المرءُ مرءُوساً خير، فإِنه إِن أَبطلها بالكلية، قال: كون الإِنسان مرءُوسا يحتاج إِلى غيره، والحاجة شر، فالرياسة شر؛ وإِن أَبطلها بالجزءِ، قال: ليس كل رياسة نافعة. وذلك أَن التغلب رياسة وليست خيرا. فهذان هما صنفا الإِبطال الذي يكون من الأَشياءِ الموجودة في الشيءِ المقصود إِبطاله.

ومثال الإِبطال الذي يكون من الضد أَن تكون المقدمة الموضوعة أَن الرجل الخير هو الذي يحسن إِلى إِخوانه أَجمعين، فيقاوم ذلك بأَن يقال لَوْ كان هذا حقا، لكان الشرير هو الذي يسيءُ إِلى إِخوانه، وليس كذلك.

ومثال المقاومة والمعاندة من الشبيه أَن يوضع أَن من لقي آخر بشر فهو يبغضه، فيقاوم ذلك بأَن يقال: إِن هذا ليس بصادق لأَن مَنْ يلقى آخر بخير قد لا يحبه. ووجه الشبه في هذا المثال إِنما هو بالمناسبة. وذلك أَن نسبة البغضة إِلى من يلقى منه شرا نسبة المحبة إِلى من يلقى منه خيرا. وقد جمع هذا المثال المقاومة من جهتين: من جهة الشبيه ومن جهة الضد. وذلك أَن المحبة ضد البغضة والشر ضد الخير.

وأَما مثال المقاومة التي تكون بحسب رأْي الحاكم، فذلك موجود كثيرا في المصالح التي تضادها الشرائع. وأَكثر ما يوجد هذا التضاد بين الشرائع العامة والخاصة؛ وأَعني بالعامة المشتركة لجميع الأُمم، وأَعني بالخاصة ما تخص أُمة أُمة.

وإِذ قد تقرر كيف تقاوم المقدمات في الضمائر بالجملة، فلنقل كيف يقاوم ضمير ضمير من أَصناف الضمائر المستعملة في الخطابة. والضمائر كما قيل أَربعة: فمنها المسمى الواجب، وهو الضمير الكائن من المحمودات في أَي شكل كان، ويسمى ما كان من هذه في الشكل الأَول بالأَشبه أَو المشبه. ومنها المسمى برهانا، وهو الضمير الكائن من العلامات في الشكل الأَول. وإِنما خص هذا باسم البرهان بحسب أَنها اضطرارية.

<<  <   >  >>