للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: (لله سبحانه على عبده أمر أمره به، وقضاء يقضيه عليه، ونعمة ينعم بها عليه، فلا ينفك من هذه الثلاثة.

والقضاء نوعان: إما مصائب وإما معايب. وله عليه عبودية في هذه المراتب كلها.

فأحب الخلق إليه من عرف عبوديته في هذه المراتب ووفاها حقها فهذا أقرب الخلق إليه. وأبعدهم منه من جهل عبوديته في هذه المراتب كلها.

فعبوديته في الأمر: امتثاله، إخلاصاً واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النهي: اجتنابه، خوفاً منه وإجلالاً ومحبة.

وعبوديته في قضاء المصائب: الصبر عليها، ثم الرضا بها، وهو أعلى منه، ثم الشكر عليها، وهو أعلى من الرضا، وهذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حبه من قلبه، وعلم حسن اختياره له وبره به، ولطفه به، وإحسانه إليه بالمصيبة، وإن كره المصيبة.

وعبوديته في قضاء المعائب: المبادرة إلى التوبة منها، والتنصل والوقوف في مقام الاعتذار والانكسار، عالماً بأنه لا يرفعها إلا هو، ولا يقيه شرها سواه، وأنها إن استمرت أبعدته من قربه، وطردته من بابه، فيراها من الضر الذي لا يكشفه غيره، حتى إنه ليراها أعظم من ضر البدن ...

وأما عبودية النعم فمعرفتها والاعتراف بها أولا، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه وإن كان سببا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار، ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته) (١).

وفي الإيمان بالقدر: الاعتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي، إنما يتصرف بحكم العبودية، لا بحكم الاختيار لنفسه.

والله سبحانه وتعالى هو المتصرف فيه، فنفسه بيد ربه وسيده، وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته، وسعادته وشقاوته، وعافيته وبلاؤه كله إليه سبحانه، ليس إلى العبد منه شيء. فهو عبد لله من جميع الوجوه، صغيراً وكبيراً، حياً وميتاً، مطيعاً وعاصياً، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح (٢).


(١) الفوائد ص ٤٦ - ٤٧، ترتيب وتعليق علي حسن عبد الحميد، دار ابن الجو زي، الدمام، ١٤١٧ هـ ..
(٢) الفوائد ص ٥٠ - ٥٢.

<<  <   >  >>