للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر طريق إلى توحيد الله:

(وهو أن يشهد انفراد الرب تبارك وتعالى بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه. وأن الخلق مقهورون تحت قبضته، وأنه ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابعه. إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء يزيغه أزاغه. فالقلوب بيده. وهو مقلبها ومصرفها كيف شاء وكيف أراد، وأنه هو الذي آتى نفوس المؤمنين تقواها، وهو الذي هداها وزكاها وألهم نفوس الفجار وأشقاها، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته. هذا فضله وعطاؤه، وما فضل الكريم بمنون. وهذا عدله وقضاؤه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣] (١).

(وبهذا يتحقق للعبد مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} علماً وحالا، فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبية، ثم يرقى منه صاعداً إلى توحيد الإلهية. فإنه إذا تيقن أن الضر والنفع، والعطاء والمنع، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء: كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يقلب القلوب، ويصرفها كيف يشاء وأنه لا موفق إلا من وفقه وأعانه، ولا مخذول إلا من خذله وأهانه وتخلى عنه. وأن أصح القلوب وأسلمها وأقومها، وأرقها وأصفاها، وأشدها وألينها: من اتخذه وحده إلهاً ومعبوداً. فكان أحب إليه من كل ما سواه، وأخوف عنده من كل ما سواه، وأرجى له من كل سواه. فتتقدم محبته في قلبه جميع المحاب، فتنساق المحاب تبعاً لها كما ينساق الجيش تبعاً للسلطان. ويتقدم خوفه في قلبه جميع المخوفات، فتنساق المخاوف كلها تبعاً لخوفه. ويتقدم رجاؤه في قلبه جميع الرجاء، فينساق كل رجاء تبعاً لرجائه.

فهذا علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه توحيد الربوبية، أي باب توحيد الإلهية: هو توحيد الربوبية) (٢).

٦ - من ثمرات الإيمان بالقدر: التعبد لله بأسمائه وصفاته: وهو معرفة تعلق الوجود خلقاً وأمراً بالأسماء الحسنى، والصفات العلا، وارتباطه بها، وإن كان العالم - بما فيه - من بعض آثارها ومقتضياتها (٣).

فمن أسمائه سبحانه " الغفار، التواب، العفوّ " فلا بد لهذه الأسماء من متعلقات، ولابد من جناية تغفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها. ولا بد لاسمه " الحكيم " من متعلق يظهر في حكمه. إذ اقتضاء هذه الأسماء لآثارها كاقتضاء اسم " الخالق، الرازق، المعطى، المانع " للمخلوق والمرزوق والمعطى والممنوع. وهذه الأسماء كلها حسنى.


(١) مدارج السالكين (١/ ٤١٠).
(٢) المرجع السابق (١/ ٤١١).
(٣) المرجع السابق (١/ ٤١٧).

<<  <   >  >>