فهذه المشقة ولئن بدا فيها الضيق والعنت والشدة ومخالفة الهوى ومكابدة المصاعب ومجاهدة النفس؛ إلا أنها أعباء ضرورية لا بد منها في قيام الأحكام وأداء التكليف.
فالأفعال الشرعية من عبادات ومعاملات وأنكحة وجنايات وكفارات مرتبطة بالمشاق والأعباء التي يقدر عليها المكلفون، والتي لا توقع أصحابها في الحرج والضرر، ولا تؤدي بهم إلى المفاسد والمهالك، وهي أمور تتلازم وترتبط بشكل وثيق ومتين بالأفعال والأعمال والأقوال والاعتقادات الشرعية والإسلامية؛ فالتكليف الشرعي لا يقوم إلا بها، وهي تدور معه وجودًا وعدمًا، والتكليف الشرعي لم يعتبر تكليفًا إلا لما فيه من الكلفة الشاقة، ولما ينطوي عليه من تحمل بعض الأتعاب والإجهاد النفسي والجسدي والعقلي الذي يؤهله لمرتبة التكليف المرجوة.
وحال هذه المشاق في الأعمال والأفعال الشرعية كحال المشقة في سائر أعمال الدنيا ومختلف الفنون والشئون والأحوال، وطلب الرزق والسعي في الأرض لتحصيله، ومزاولة الحرف والصناعات، والأسفار والرحلات والزيارات، وإنجاز الأفراح والزيجات والحفلات وتنظيم المناسبات والمهرجانات والملتقيات، وإعمار الأرض وتنميتها وتزيينها وتنظيمها.
كل ذلك فيه من المشاق والأعباء، ومن التعب والنصب ما يجعل استبعاد تلك المشاق الأعباء أمرًا معطلًا لقيام تلك الفنون والأعمال، ومفوتًا لمصالح المعاش والعباد، ومخربًا لنظام الحياة والوجود.
وخذ إن شئت مثال الأكل، ومثال الجماع لتدرك بمنتهى الوضوح