والجلاء ما لذينك الفعلين من المشاق والتكلفة والالتزامات، وهما على الرغم من ذلك فإنك تلحظ الإقبال عليهما والرغبة فيهما، وكيف أنهما من أمارات السعادة والسعة، ومن علامات الخير والرفاهية، ومن ضروب الطيبات والمباحات التي أنعم بها الخالق الأكرم جلَّ جلاله تفضلًا وإحسانًا على عباده وخلقه.
فالأكل مسبوق بمشاق الضرب في الأرض، والبحث عن الرزق وتحصيله وإحضاره وتناوله، وهو متبوع بمشق هضمه وإفرازاته وإخراجه، وتطهير مواضعه من الآكل نفسه، ومن الأرض ومحيطها وبيئتها، ثم هو قد يتبع على المدى البعيد بآثار ورواسب من الأضرار والعيوب الصحية والنفسية والبيئية؛ بل إنه قد يتبع في الأجل الأبعد عند وفاة الإنسان وبعثه وحشره بسوء الخاتمة وسوء الحساب بسبب الكسب الحرام والأكل الحرام.
فقد لاحظت كيف أن الأكل باعتباره عملية يومية عادية، وشأنًا سعيدًا ومسعدًا، كيف أن المشاق قد أحاطت به من كل جانب، وكيف أن الآلام قد لازمته في أطوار مختلفة في المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة.
غير أن الأكل ظل ولا يزال أمرًا لا بد منه، وضرورةً لقيام النفس والحياة، وأن المشاق التي ينطوي عليها ويؤول إليها متلازمة لا تنفك عنه ولا تتخلص منه.
ما المثال الثاني الذي نورده للتدليل على أن المشاق المقدور عليها، ينبغي أن تتحمل للقيام بالتكليف؛ فهو مثال الجماع: فهو فعل محبوب ومرغوب، وطريق مشروع للتناسل والإعمار، وسبيل لحفظ الأعراض