للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله لمن جهل أسباب النزول؟ ١ وهل بالغ الواحدي٢ حين قال: "لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها! "٣.

وإن التعبير عن سبب النزول بـ"القصة" لينم عن ذوق رفيع، ويكاد يشي هنا بالغاية الفنية إلى جانب الغرض الديني النبيل: فما سبب النزول إلا قصة تستمد من الواقع عرضها وحلها، وعقدتها وحبكتها، وأشخاصها وأحداثها، وتجعل آيات القرآن تتلى في كل زمان ومكان بشغف وولوع، وتطرد السآمة عن جميع القارئين بما توالي عرضه من حكايات أمثالهم وأقاصيص أسلافهم، كأنها حكاياتهم هم إذ يرتلون آيات الله، أو أقاصيصهم هم ساعة يطربون لألحان السماء!.

ومن أجل هذا كان جهل الناس بأسباب النزول كثيرًا ما يوقعهم في اللبس والإبهام, فيفهمون الآيات على غير وجهها، ولا يصيبون الحكمة الإلهية من تنزيلها، كما حدث لمروان بن الحكم حين توهم أن قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} ٤ وعيد للمؤمنين، فقال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون! فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه! إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء فتكموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه


١ أسباب النزول "للسيوطي" ص٢.
٢ الواحدي هو علي بن أحمد، ويكنى أبا الحسين، نحوي ومفسر، توفي سنة ٤٢٧هـ. "إنباه الرواة ١/ ١٩".
٣ أسباب النزول "للواحدي" ص٣. وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول تعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب". وقال ابن دقيق العيد: "معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن" انظر الإتقان ١/ ٤٨.
ويقارب العبارة الأخيرة قول أبي الفتح القشيري: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز، وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا". انظر البرهان ١/ ٢٢.
٤ سورة آل عمران ١٨٨.

<<  <   >  >>