حين أصدرت كتابي هذا في طبعته الأولى لم أزعم أني فصلت فيه القول في جميع العلوم التي لها بالقرآن صلة من قريب أو بعيد، فإن آفاق الدراسة القرآنية واسعة متشعبة ورحيبة، وإن ألوف المجلدات لا تفي بمعشار ما قيل وما يمكن أن يقال في هذه العلوم؛ إنما حاولت بهذا الكتاب تبسيط طائفة من أمهات المسائل القرآنية قبستها غالبا من آثار علمائنا الأبرار القدامى، غير متجاهل أطرف ما جاء به بعض الأتقياء من المعاصرين، وما أبرح في هذه الطبعة الرابعة -رغم الزيادات الكثيرة التي أضفتها- أقر بأني تناولت أمهات المسائل ولم أفصل القول في شيء منها تفصيلا.
ولقد يكون عسيرا على الباحث العصري في شئون الإسلام والقرآن أن يرجع إلى الكتب القديمة ليعثر على شيء من طلبته في تأويل آية، أو تحرير فكرة, أو تحليل أدبي لمقطع من كتاب الله, لما في جل تلك الكتب من روايات متضاربة وآراء يكثر التعارض بينها في تأويل الآية الواحدة. ويخيل إلينا أن هذا التضارب -وإن كان حتما لا مفر منه في الشروح الإنسانية- هو في كتبنا أصل الداء وشر البلاء، فلابد لنا في كل آية منوجه نختاره وتفسير نرضاه, دون أن نجزم حقا بأننا وقفنا حتما على المراد من كلام الله.
وما من شك في أن القرآن قد ملك على سلفنا الصالح مشاعرهم، واستأثر