للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث: علم المكي والمدني]

لبث النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة عمرا ما كان يدري فيه ما الكتاب وما الإيمان، ثم اختاره الله لتبليغ رسالته، فأوحى إليه روحا من أمره، وجعل مبعثه كمبعث الرسل الذين خلوا من قبله في سن الأربعين ليكون أنضج فكرا, وأصدق عزمًا، وأمضى إرادة، وأقوى بأسا، وأوسع تجربة, وأثبت جنانا.

ولقد بادر بعض المفسرين إلى القرآن نفسه يستخرجون من نصوصه عمر النبي قبيل البعثة، فلما لم يظفروا إلا بقوله تعالى على لسان نبيه: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} ١ انطلقوا به يجزمون بأن لفظة "العمر" ترادف سن الأربعين على وجه اليقين٢. وكم خلطوا بمثل هذا التفسير العجول بين مدلول اللغة وواقع التاريخ!.

إن لفظة "العمر" لا تعين وحدها شيئا مما قطعوا به، وليس في مدلولها اللغوي إيماءة إلى مفهوم عددي صريح، ولكنها -بوحي من سياق التركيب في الجملة أو من سياق الواقع في التاريخ -قد ترمي إلى فكرة العدد بضرب من التلويح: فمن قطع من أولئك المفسرين بأن سن الأربعين ترادف في الآية {عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} ، فقد استلهم واقع السيرة المطهرة ثم نزل السياق القرآني على أحكام هذا الواقع تنزيلا..


١ سورة يونس ١٧.
٢ قارن بتفسير الطبري ١/ ٦٧١-٦٨٠ والرواية عن قتادة.

<<  <   >  >>