إن هذا القرآن -في كل سورة منه وآية, وفي كل مقطع منه وفقرة، وفي كل مشهد منه وقصة، وفي كل مطلع منه وختام- يمتاز بأسلوب إيقاعي غني بالموسيقى مملوء نغما، حتى ليكون من الخطأ الشديد في هذا الباب أن نفاضل فيه بين سورة وأخرى أو نوازن بين مقطع ومقطع، لكننا حين نومئ إلى تفرد سورة منه بنسق خاص, إنما نقرر ظاهرة أسلوبية بارزة نؤيدها بالدليل، وندعمها بالشاهد، مؤكدين أن القرآن نسيج واحد في بلاغته وسحر بيانه، إلا أنه متنوع تنوع موسيقى الوجود في أنغامه وألحانه!
ولعلنا لا نخطئ إن رددنا -مع الأستاذ سيد قطب- سحر القرآن إلى نسقه الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعا:"فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة، والتفعيلات التامة, فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة، وأخذ في الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي, وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا, فشأى النثر والنظم جميعا"١.
وإن هذه الموسيقى الداخلية لتنبعث في القرآن حتى من اللفظة المفردة في كل آية من آياته، فتكاد تستقل -بجرسها ونغمها- بتصوير لوحة كاملة فيها اللون زاهيا أو شاحبا، وفيها الظل شفيفا أو كثيفا.