لقد اختار الله لوحيه أسماء جديدة مخالفة لما سمى العرب به كلامهم جملة وتفصيلا١. وروعيت في تلك الألقاب أسرار التسمية وموارد الاشتقاق.
واشتهر منها لقبان: الكتاب والقرآن.
وفي تسميته بالكتاب إشارة إلى جمعه في السطور، لأن الكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ؛ كما أن في تسميته بالقرآن إيماءة إلى حفظه في الصدور، لأن القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استذكار، فهذا الوحي العربي المبين قد كتب له من العناية به ما كفل صيانته في حرز حريز، وما جعله بنجوة من خوض العابثين وتلاعب المحرفين: إذ لم ينقل كجميع الكتب بالكتابة وحدها ولا بالحفظ وحده، بل وافقت كتابته تواتر إسناده، ووافق إسناده المتواتر نقل الأمين الدقيق.
ومع أن كلتا التسميتين ترتد إلى أصل آرامي، إذ وردت الكتابة في الآرامية بمعنى رسم الحروف، وجاءت القراءة فيها بمعنى التلاوة، بدت تسمية هذ الوحي بالكتاب وبالقرآن طبيعية جدًا، لامتياز الوحي المحمدي في مراحله كلها بهذه العناية المزدوجة في صيانة نصوصه وحفظ تعاليمه ومنقوشة في السطور، مجموعة من الصدور.
١ هكذا لاحظ الجاحظ: ذكره السيوطي في الإتقان ١/ ٨٦.