للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ضوء هذه الدراسة النقدية الرشيقة رأى أولئك المحققون رأي العين أن نزول الآيات على ما اكتشفوه من الأسباب الفردية الخاصة لا يتعارض مع وضع الآيات في مواضع تناسب سياقها، إذ كان القرآن ينزل على الأسباب منجما تبعا لما تفرق من الوقائع، وكان النبي الكريم يأمر بكتابة الآية أو الآيات مع ما يناسبها من الآي في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها تثبيتا لمفهوم الوحي، ورعاية النظم القرآن وحسن السياق١.

وكان في جمعهم بين السبب التاريخي والسياق الأدبي ما لا تدرك العبارة وصفه من رهافة حسهم النقدي والفني, فما أغفلوا حقائق التاريخ في اشتراط الزمان لمعرفة سبب النزول، ولا أغفلوا التناسق الفني حين أقصوا فكرة الزمان لمراعاة السياق، "لأن الزمان -كما يقول الزركشي- إنما يشترط في سبب النزول, ولا يشترط في المناسبة، إذ المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها"٢.

وما أكثر الآيات التي وضعت في السطور على حسب الحكمة ترتيبا، وحفظت في الصدور على حسب الوقائع تنزيلا!.

إن قوله تعالى في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} ٣ قد نزل في رجل من أهل الكتاب يسمى كعب بن الأشرف، كان قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه: من أهدى سبيلا؟ المؤمنون أو هم؟ فتملق عواطفهم وقال: بل أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا! ٤.


١ البرهان ١/ ٢٥-٢٦.
٢ البرهان ١/ ٢٦.
٣ سورة النساء ٥١.
٤ قارن بتفسير الطبري ٥/ ٨٥.

<<  <   >  >>