للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صغيرة يسيرة، ولكنها في نظره هامة جليلة، إذ يجعل العلم بها فريضة على كل من يعنى بتفسير كتاب الله المجيد: فعلى المفسر المحقق أن يعرف كذلك "ما نزل بمكة في أهل المدينة, وما نزل بالمدينة في أهل مكة، ثم ما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، ثم ما نزل بالجحفة١، وما نزل ببيت المقدس, وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، ثم ما نزل ليلا، وما نزل نهارًا، وما نزل مشيعا، وما نزل مفردا، ثم الآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكية في السور المدنية، ثم ما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة, ثم ما نزل مجملا، وما نزل مفسرًا، وما نزل مرموزا، ثم ما اختلفوا فيه فقال بعضهم: مكي، وبعضهم مدني: هذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى٢".

ونحن نعترف بأنه ليس في وسعنا أن نعرض هنا تفصيلا لتلك الملابسات كافة، فإن بحث كل منهما على حدة يستغرق مجلدا بأكمله، وهيهات له أن يكون وافيا بالمقصود، شافيا للغليل، فحسبنا -للدالالة على ما عاناه العلماء في تتبع مراحل الوحي- أن نشير إجمالا إلى بعض الروايات التي لم يكتف أصحابها بوصف ما نزل في مكة أو في المدينة، قبل الهجرة أو بعدها، بل بلغت عنايتهم بهذا الكتاب الكريم أقصى ما يبلغه الباحثون من التحري والتدقيق، فلم يفتهم ذكر أبسط التفصيلات وأصغر الجزئيات.

لاحظوا مثلا بصورة عامة أن أكثر القرآن نزل نهارا٣، ثم استرعى انتباههم أن هذه القاعدة لم تتبع في بعض الحالات الجزئية، فسورة مريم


١ الجحفة: قرية على طريق المدينة، من مكة على أربع مراحل.
٢ البرهان ١/ ١٩٢.
٣ وينسب القول بهذا إلى السيدة عائشة أم المؤمنين "انظر البرهان ١/ ١٩٨". أما السيوطي في "الإتقان ١/ ٣٤" فيقول: "أمثلة النهاري كثيرة، قال ابن حبيب: نزل أكثر القرآن نهارًا" فهو ينسب هذا القول إلى ابن حبيب, وهو أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري الذي سبقت الإشارة إليه.

<<  <   >  >>