للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وادينا كما حرمت مكة, حتى تعرف العرب فضلنا عليهم"١.

ويعين العلماء -تبعا للروايات والأسانيد- السور المكية والسور المدنية٢ ثم يرتبونها حسب تعاقبها في النزول، وإذا هم يترددون في أول ما نزل وآخره٣، ويصل بهم الأمر إلى الاختلاف في سورة الفاتحة التي يرتلها المسلمون في كل ركعة من ركعات الصلاة، فيرى بعضهم أنها مكية وآخرون أنها مدنية٤، ويؤثر فريق ثالث القول بنزولها مرتين٥، ثم يرجح بعضهم أنها أول ما نزل بمكة، فهي إذن أول ما نزل على الإطلاق٦، ويرجح آخرون أن عددا من السور كان أسبق منها في النزول، ففي مثل هذه المواطن يتنافس العلماء في إيراد الحجج والبراهين, وهي حجج إلى الاجتهاد أقرب منها إلى النقل، فهذا عالم كالواحدي يستبعد مثلا أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم خلال بضع عشرة سنة بمكة يؤدي الصلاة من غير الفاتحة٧! والواحدي -كما نعلم- لم يقم بدراسته "لأسباب النزول" في كتابه المشهور إلا على الروايات والأسانيد، لكن باب الاجتهاد والاستنباط مفتوح دائما على


١ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٢٩٩.
٢ وقد نظم الحسن بن الحصار في كتابه "الناسخ والمنسوخ" أبياتا في ذلك يفهم منها أن العلماء اتفقوا على مدنية عشرين سورة هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة, والحشر, والممتحنة، والجمعة، والمنافقون، والطلاق، والتحريم، والنصر. وواختلفوا في اثنتي عشرة سورة تعددت فيها الروايات وهي: الفاتحة، والرعد، والرحمن، والصف، والتغابن, والتطفيف، والقدر، ولم يكن، وإذا زلزلت، والإخلاص، والفلق، والناس. وما سوى ذلك فهو مكي باتفاق "انظر الإتقان ١/ ١٧-١٨ وقد أثبت السيوطي هنا الأبيات التي نظمها ابن الحصار" وعلى ذلك يكون عدد السور المكية اثنتين وثمانين سورة, لأن تعداد القرآن كله مائة وأربع عشرة سورة.
٣ انظر على سبيل المثال البرهان ١/ ١٩٣-١٩٤ والزركشي يرد إلى القسم المدني أكثر السور المختلف فيها، فيكون عدد السور المكية عنده خمسا وثمانين، بينما تكون الصور المدنية تسعا وعشرين.
٤ قال ابن عباس والضحاك ومقاتل وعطاء: إنها مكية. وقال مجاهد: مدنية "البرهان ١/ ١٩٤".
٥ البرهان ١/ ٢٩ "فصل فيما نزل مكررًا".
٦ الإتقان ١/ ١٨ وقارن بالبرهان ١/ ٢٠٧.
٧ الواحدي: أسباب النزول ص١٣.

<<  <   >  >>