للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- طول أكثر سوره وبعض آياته وإطنابها وأسلوبها التشريعي الهادي.

٢- تفصيل البراهين والأدلة على الحقائق الدينية.

وهذه الخصائص الموضوعية والأسلوبية، سواء أكانت قطعية أم أغلبية، تصور الخطى الحكيمة المتدرجة التي كان يخطوها الإسلام في تشريعه: فخطاب أهل المدينة لا يمكن أن يكون مماثلا لخطاب أهل مكة، لأن البيئة الجديدة في المدينة أصبحت تستدعي التفصيل في التشريع، وفي بناء المجتمع الجديد. فكان لا بد أن يطنب القرآن بعد الإيجاز، ويفصل بعد الإجمال، ويراعي حال المخاطبين في كل آياته وسوره.

كان في مكة قوم طغاة معاندون، يضطهدون رسول الله والمؤمنين، فناسب أن ينزل على الرسول في مكة مثل قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} ١. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ٢، وقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} ٣. وهكذا كثر في مكة نزول الآيات التي تقرع المشركين، وتشتد في تسفيه أحلامهم, وتسلي الرسول والمؤمنين وتعلمهم السماحة والصفح الجميل. أما المدينة فكان فيها بعد الهجرة ثلاثة أصناف من الناس: المؤمنون من مهاجرين وأنصار، ثم المنافقون, ثم اليهود. أما اليهود فجادلهم القرآن ودعاهم إلى كلمة سواء، وأما المنافقون ففضحهم وكشف مساوئهم، وأما المؤمنون فشجعهم -من ناحية- على المضي في الصراط المستقيم، وشرع لهم -من ناحية ثانية- ما يتعلق بالسلم والحرب، وبحياة الفرد والمجموع، وبالسياسة والاقتصاد. هذه الزكاة مثلا لا معنى لفرضها في مكة والقوم فقراء مضطهدون. وتلك صلاة الخوف التي لا تكون إلا في الحرب لا يمكن أن تشرع في مكة، لأن المؤمنين لم يؤذن لهم بالقتال إلا


١ سورة الأنعام ٣٣.
٢ سورة الأنعام ٣٤.
٣ سورة الحجر ١٤-١٥.

<<  <   >  >>