للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفواتح القرآنية، أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم وحدهم العقلاء الحكماء"١.

وعندي أن ثمة قوما

لا يقلون عن هؤلاء تعقلا وحكمة، قوما أحبوا أن يدخلوا البيوت من أبوابها وأن يكونوا أصرح رأيا وأوضح تفسيرا في بيان الغرض من أوائل السور: وقد مرت فكرتهم بأطوار ثلاثة حتى استحالت رأيا نضيجا عميقا.

لاحظوا أن بعض السور القرآنية تفتتح بهذه الحروف كما تفتتح القصائد بلا وبل فلم يزيدوا في بادئ الأمر على أن يسموا هذه الحروف فواتح، وأن يعتبروها -في الواقع نفسه- مجرد فواتح وضعها الله لقرآنه، وله أن يضع ما يشاء، كما وضع العرب فواتح لقصائدهم، وقد قال بهذا مجاهد من كبار التابعين٢. وانتقلت هذه الفكرة إلى مجال أوضح وأوسع حين أصبحت هذه الفواتح في نظر بعضهم تنبيهات أو أدوات تنبيه "لم تستعمل فيها الكلمات المشهورة كألا وأما الاستفتاحيتين لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآن كلام لا يشبه الكلام, فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد لتكون أبلغ في قرع السمع٣. والخويبي ٤ الذي يقرر هذا المعنى يجعل التنبيه للنبي الذي يجوز "أن يكون الله قد علم في بعض الأوقات كونه صلى الله عليه وسلم في عالم البشر مشغولا، فأمر جبريل بأن يقول عند نزوله الم والر وحم ليسمع النبي صوت جبريل، فيقبل عليه ويصغي إليه"٥.

لكن الإمام السيد رشيد رضا صاحب تفسير المنار المشهور يستبعد جعل التنبيه للنبي لأنه عليه الصلاة والسلام "كانت يتنبه وتغلب الروحانية على طبعه الشريف


١ Id. ibid., ١٤٩
٢ الإتقان ٢/ ١٥.
٣ الإتقان٢/ ١٧.
٤ كذا في الإتقان ٢/ ١٧ وفي تفسير المنار "٨/ ٣٠٢" نقلا عن "شرح الإحياء" أن قائل هذا هو الحربي، وقد سبق أن ذكرنا احتمال كونه "الخويي" والتصحيف في مثل هذا كثير.
٥ الإتقان ٢/ ١٧.

<<  <   >  >>