للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يختص به بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم. وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" ١.

ولا ريب أن في رأي الراغب قصدا واعتدالا: فذات الله وحقائق صفاته لا يعلمها إلا الله، وفي هذا المعنى يقول في دعائه: "أنت كما أثنيت على نفسك، ولا أحصي ثناء عليك"، والعلم بالغيب مما استأثر الله به، مصداقا للآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ٢. ولقد رأينا في بحث فواتح السور كيف أحيطت هذه الحروف بجو من التورع عن تأويل حقائقها، وعرفنا أن آراء العلماء فيها إنما كانت تدور حول حكمة وجودها لا حول كنه حقيقتها، ففي خفاء هذه الأمور وعجز الإنسان عن الوصول إليها ما يقلل من غروره ويخفض من كبريائه، ويحمله على أن القول: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ٣.

والآيات المشكلة الواردة في صفات الله تعالى، كقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} هي أهم ما يتعلق بهذا الضرب من المتشابه الذي لا سبيل لأحد من البشر إلى الوقوف عليه، وقد أفردها ابن اللبان بكتاب سماه "رد المتشابهات إلى الآيات المحكمات"٤، وذكر الرازي الحكمة من متشابه الصفات فقال: "إن القرآن يشتمل على دعوة الخواص والعوام، وطبائع العوام تنبو في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق, فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود


١ الإتقان ٢/ ٧-٨ والراغب الأصفهاني هو الحسين بن المفضل، أبو القاسم، أديب كبير، أهم كتبه "مفردات القرآن" توفي سنة ٥٠٢.
٢ سورة لقمان ٣٤.
٣ سورة البقرة ٣٢.
٤ الإتقان ٢/ ٨ وابن اللبان هو محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي، شمس الدين. مفسر من أهل دمشق توفي سنة ٧٤٩. له تفسير مخطوط "الأعلام "٣/ ٨٥٣".

<<  <   >  >>