للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بانسلاخهم عنه {بَدَّلْنَاهُمْ} حجبا غيرها جديدة {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} نيران الحرمان {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا} قويا يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم، ويحرقهم بنيران توقانها إلى كمالاتهم مع حرمانهم أبدا {حَكِيمًا} يجازيهم بما يناسبهم من العذاب الذي اختاروه لأنفسهم بدواعيهم الغضبية والسهوية وغيرها، وميولهم إلا الملاذ الجسمانية، فلذلك بدلوا حجبا ظلمانية بعد حجب"١.

فالتذوق الجداني القائم على ضرب من الحدس النفسي هو الذي يسود هذه الشروح. ولذلك تكثر فيه العبارات الغامضة التي ليس وراءها طائل. والدين لا يؤخذ من ذوق المتذوقين، ولا وجد المتواجدين.

ويقرب من تفسير المتصوفة ما يسمى بالتفسير الإشاري, وهو الذي تؤول به الآيات على غير ظاهرها مع محاولة الجمع بين الظاهر والخفي. من ذلك تفسير الآلوسي "المتوفى سنة ١٢٧٠هت" ويسمى "روح المعاني" فبعد أن يورد فيه مؤلفه تفسير الآيات حسب الظاهر، يشير إلى بعض المعاني الخفية التي تستنبط بطريق الرمز والإشارة، كقوله في تفسير الآية: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ٢: وإذ أخذنا ميثاقكم المأخوذ بدلائل العقل، بتوحيد الأفعال والصفات، ورفعنا فوقكم طور الدماغ، للتمكن من فهم المعاني وقولها. أو أشار سبحانه بالطور إلى موسى القلب, وبرفعه إلى علوه واستيلائه في جو الإرشاد، وقلنا: "خذوا" أي: اقبلو "ما آتيناكم" من كتاب العقل الفرقاني بجد، وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق، ثم أعرضتم بإقبالكم إلى الجهة السفلية بعد ذلك. فولا حكمة الله بإمهاله، وحكمه بإفضاله، لعاجلكم بالعقوبة، ولحل


١ تفسير الشيخ الأكبر، ١/ ١٥٢، وقد طبع هذا الكتاب في مجلدين في بولاق سنة ١٢٨٣هـ و١٨٦٥م.
٢ سورة البقرة ٦٣.

<<  <   >  >>