للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجاز، فهي لفظ أريد به لازم معناه، وهي -على هذا- كثيرة في القرآن، لأنها من أبلغ الأساليب في الرمز والإيماء, وللقرآن قصد إلى الرمز في مواطن لا يجمل فيها التصريح، فإذا أراد الله أن يعبر عن الغاية من المعاشرة الزوجية -وهي التناسل- رمز إلى ذلك بلفظ "الحرث" في قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ١ ويكمل وصف تلك العلاقة بين الزوجين -بما فيها من مخالطة وملابسة- بأنها لباس من كل منهما للآخر {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ٢. ومن هذا الباب في الإيماء اللطيف الذي يعلمنا أدب التعبير {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ٣، {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ٤، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} ٥. ومن أجمل الكنايات في مثل هذه المعاني {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ٦ {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} ٧ لأن المراد بالفروج هنا فروج القمصان والثياب٨، فما تنفرج ثياب المؤمنين عن ريبة ولا تنكشف دروع المؤمنات عن منكر، بل المؤمنون والمؤمنات نقية ثيابهم طاهرة أذيالهم عفيفة أنفسهم, على حد قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} ٩ كناية عن عفة النفس وطهارة الذيل١٠، ولذلك سموا هذا النوع من التعبير "كناية عن كناية"، وبه قال المفسرون في تأويل قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} ١١، فإحصانها فرجها كناية عن طهارة ذيلها


١ سورة البقرة ٢٢٣ "وانظر الإتقان ٢/ ٧٩".
٢ سورة البقرة ١٨٧ "وانظر البرهان ٢/ ٣٠٤ ومجازات القرآن ٣٥٤".
٣ سورة النساء ٤٣.
٤ سورة البقرة ١٨٧.
٥ سورة الأعراف ١٨٩ "وانظر البرهان ٢/ ٣٠٤".
٦ سورة المؤمنون ٥.
٧ سورة الأحزاب ٣٥.
٨ انظر البرهان ٢/ ٣٠٥.
٩ سورة المدثر ٤.
١٠ مجازات القرآن ٣٥٣؛ تأويل مشكل القرآن ١٠٧.
١١ سورة التحريم ١٢.

<<  <   >  >>