للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جوابه فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} يعنون: كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: {كَذَلِكَ} أي: أنزلناه مفرقا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أي: لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب، أشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان١ لكثرة لقياه جبريل"٢.

ولقد راع القرآن خيال العرب وأخذ أسماعهم بما فيه من أنباء الرسل مع أقوامهم، تتكرر بصورة مختلفة، وأساليب متنوعة، فتزداد حلاوة كلما تكررت، ولا غرض لها في أكثر المواطن التي ذكرت فيها إلا تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين. ونطق القرآن بذلك فقال: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} ٣: ففي ذكر قصص الرسل، وتفريقه، وتنوعيه، تقوية لقلب الرسول

صلى الله عليه وسلم وعزاء له على ما يلقاه من أذى قومه، وما كان محمد بدعا من الرسل، فهم جميعا عذبوا وكذبوا واضطهدوا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} ٤.

وهكذا ما انفك القرآن يتجدد نزوله مهونا على الرسول صلى الله عليه وسلم الشدائد، مسليا له مرة بعد مرة، محببا إليه التأسي بمن قبله من الرسل، يأمره تارة بالصبر أمرًا صريحا فيقول: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا


١ يشير إلى حديث متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" انظر "رياض الصالحين للنووي باب الجود ... في شهر رمضان، ص٤٥٤".
٢ الإتقان ١/ ١٧ والزركشي لا يعزو هذه العبارة إلى أبي شامة كما فعل في العبارة السابقة "البرهان ١/ ٢٣١، وراجع الحاشية ٢ص ٤٢" وفي عبارة البرهان اختلاف يسير جدا عما في الإتقان.
٣ سورة هود ١٢٠.
٤ سورة البقرة ٢١٤.

<<  <   >  >>