للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تم لأبي بكر جمع القرآن كله خلال سنة واحدة تقريبا، لأن أمره زيدا بجمعه كان بعد واقعة اليمامة، وقد حصل الجمع بين هذه الواقعة ووفاة أبي بكر، وحين نتذكر كيف جمع هذا القرآن من الراقع والعسب واللخاف والأقتاب والجلود في هذه المدة القصيرة، لا يسعنا إلا أن نكبر عزيمة الصحابة الذين بذلوا أنفسهم لله, ولا يسعنا إلا أن نقول مع علي بن أبي طالب: "رحم الله أبا بكر، هو أول من جمع كتاب الله بين اللوحين"١. أما عمر فقد سجل له التاريخ أنه صاحب الفكرة، كما سجل لزيد أنه وضعها موضع التنفيذ.

وختام النص الذي رواه البخاري عن زيد ينبئنا بأن الصحف التي جمع فيها القرآن كانت عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم صارت إلى عمر وظلت عنده حتى توفاه الله، ثم صارت إلى حفصة بنت عمر لا إلى الخليفة الجديد عثمان. وقد أثارت "دائرة المعارف الإسلامية" شبهة حول هذا الموضوع، فتساءلت: ألم يكن عثمان أجدر أن تودع هذه الصحف عنده؟ ٢ ونجيب: بل حفصة أولى بذلك وأجدر، لأن عمر أوصى بأن تكون الصحف مودعة لديها، وهي زوجة رسول الله أم المؤمنين، فضلا على حظفها القرآن كله في صدرها وتمكنها من القراءة والكتابة، وكان عمر قد جعل أمر الخلافة شورى من بعده، فكيف يسلم إلى عثمان هاتيك الصحف قبل أن يفكر أحد في اختياره للخلافة؟

ويبدو أن تسمية القرآن "بالمصحف" نشأت على عهد أبي بكر، فقد أخرج ابن أشتة٣ في كتاب "المصاحف" من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما جمعوا القرآن فكتبوه على الورق قال أبو بكر: التمسوا له اسما، فقال بعضهم: "السفر" قال: ذلك اسم تسمية اليهود، فكرهوا ذلك. وقال بعضهم: "المصحف" فإن الحبشة يسمون مثله "المصحف" فاجتمع رأيهم على أن سموه "المصحف"٤.

وقد ظفر مصحف أبي بكر بإجماع الأمة عليه وتواتر ما فيه، وأكثر العلماء على أن طريقة كتابته اشتملت على الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن، فشابه في هذه الناحية الأخيرة جمع القرآن الأول على عهد الرسول الأمين.


١ البرهان ١/ ٢٣٩؛ المصاحف لابن أبي داود ص٥.
٢ انظر Encyclopedie de I.htm'Islam II. P.١١٣٠.
٣ هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أشتة، ويكنى أبا بكر. نحوي محقق ثقة، اشتغل كثيرا بعلوم القرآن. وكتابه "المحبر" يدل على سعة علمه. توفي سنة ٣٦٠ "انظر غاية النهاية في طبقات القراء ٢/ ١٨٤".
٤ الإتقان ١/ ٨٩.

<<  <   >  >>