ومن أسماء السور والفواصل، اقتداء بأبي بكر، فإن صحفه كانت مجردة من كل ذلك. وفوق هذا، جردت المصاحف العثمانية مما ليس بقرآن من الشروح والتفاسير, فمن الصحابة من كان يكتب في مصحفه ما سمع تفسيره وإيضاحه من النبي صلى الله عليه وسلم، مثال ذلك قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فقد قرأ ابن مسعود وأثبت في مصحفه "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج": ولا ريب أن تلك الزيادة الأخيرة للتفسير والإيضاح، لأنها مخالفة لسواد المصاحف التي أجمعت عليها الأمة، وقد أوضح ذلك ابن الجزري فقال:"وربما يدخلون التفسير في القراءات إيضاحا وبيانا، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا. فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه"١ أي: مع القرآن في المصحف الذي يكتبه لنفسه, كمصحف عائشة.
لقد جردت إذن مصاحف عثمان من جميع هذه الزيادات التي لم تتوافر قرآنيتها وإنما كانت من قبيل التفسير أو تفصيل المجمل وإثبات المحذوف، وأهملت منها جميع الروايات الآحادية، وأضحت سورها وآياتها مرتبة على النحو الذي نجده في مصاحفنا اليوم, وخلو المصاحف العثمانية من النقط والشكل جعل رسم بعض الألفاظ القرآنية صالحا لأن يقرأ بأكثر من وجه، كقوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فقد قرئ كذلك "فتثبتوا"، وكقوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} فقد قرئ أيضًا: "فتلقى آدم من ربه كلماتٌ"، وإنما صلح الرسم للوجهين في الآيتين المذكورتين لورود دليل قاطع على صحة القراءة بهما، لأن رسول الله قرأ بهما أو لأن أحدًا من الصحابة قرأ بهما بحضوره فأقره ولم يعترض عليه. وورود مثل هذا الدليل على تواتر قراءة ما هو الذي يعين صلاحية الرسم لوجه دون آخر. فإن وجد دليل آحادي لم يبلغ درجة التواتر على قراءة ما لم يؤخذ به, واعتبر