٣١١- اللفظ الظاهر في العموم إذا اقتضى العقل خصوصه فهو مخصص بدليل العقل وأنكر بعض الناشئة ذلك وأبوا أن يسموا هذا الفن تخصيصا وهذه المسألة قليلة الفائدة نزرة الجدوى والعائدة فإن تلقى الخصوص من مأخذ العقل غير منكر وكون اللفظ موضوعا للعموم في أصل اللسان لا خلاف فيه مع من يعترف ببطلان مذهب الواقفية وإن امتنع ممتنع من تسمية ذلك تخصيصا فليس في إطلاقه مخالفة عقل ولا شرع فلا أثر لهذا الامتناع ولست أرى هذه المسألة خلافية في التحقيق.
فإن قالوا: التخصيص في حكم البيان وكتاب الله تعالى لا يبينه إلا كلام الله وكلام الرسول عليه السلام يخبر عن الله تعالى ومرجع تبيينه إلى كلام الله تعالى قلنا: ليس التخصيص جزءا من الكلام المتصل المشتمل على الصيغة العامة كما سبق تقريره وإنما هو تبين فإذا ورد الظاهر مخالفا للمعقول فيعلم أن المراد به الخصوص الموافق له والمعنى بكون العقل مخصصا أنه مرشد إلى المراد منه فهذا تمام ما أردناه.
مسألة:
٣١٢- الصيغة الظاهرة في العموم إذا تطرق إليها التخصيص فقد صار جماهير المعتزلة وطوائف من أصحاب الرأي أنها صارت مجملة في بقية المسميات لا يسوغ التمسك بها إلا أن يرد خطاب بتنزيلها على بقية المسميات تعبدا بالعمل بموجبها وتمسك هؤلاء بأن اللفظ إذا خصص وهو في أصل الوضع للعموم فقد عسر إجراؤه على موجب أصل الوضع ولم يحصل على ثبت فيما بقى من المسميات فلا اللفظ وضع له خصوصا ولا نحن تمكنا من إعماله على حكم اللغة فيتضمن ذلك إجمالا وإبهاما. وقال معظم الفقهاء: وقد تعبدنا بالعمل بالظاهر إذا لم يمنع مانع فإذا لاح مخصص ولم يتعلق بما بقى ولا مانع من إجراء اللفظ على مقتضاه في الباقي فيتعين.
٣١٣- وقال القاضي أبو بكر: إذا خص اللفظ صار مجازا على خلاف ما صار إليه جماهير الفقهاء فإن تجوز به عما وضع له في اقتضاء العموم ولكنه مجاز يجب العمل به فإنا أخذنا العمل بالظواهر التي ليست نصوصا من عادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنقرر ذلك عند ذكرنا حقائق المجملات والظواهر والنصوص.