٦٧٦- القياس مناط الاجتهاد وأصل الرأي ومنه يتشعب الفقه وأساليب الشريعة وهو المفضى إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع مع انتفاء الغاية والنهاية فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة [مقصورة] ومواقع الإجماع معدودة مأثورة فما ينقل منهما تواترا فهو المستند إلى القطع وهو معوز قليل وما ينقله الاحاد عن علماء الأعصار ينزل منزلة أخبار الاحاد وهي على الجملة متناهية ونحن نعلم قطعا أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها.
٦٧٧- والرأي المبتوت المقطوع به عندنا أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى متلقى من قاعدة الشرع والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال فهو إذا أحق الأصول باعتناء الطالب ومن عرف مآخذه وتقاسيمه وصحيحه وفاسده وما يصح من الاعتراضات عليها وما يفسد منها وأحاط [بمراتبها] جلاء وخفاء وعرف مجاريها ومواقعها فقد احتوى على مجامع الفقه.
٦٧٨- وإن نحن خصصنا هذا الكتاب بفضل بسط فسببه مانبهنا عليه من عظم خطره واشتداد مسيس الحاجة إليه وابتنائه على أفضائه إلى مالا نهاية له مع انضباط مأخذه فليس النظر في الشرع مفوضا إلى استصلاح كل أحد فهي إذا متناهية الأصول غير متناهية الجدوى والفوائد وهذا قد يحسبه الفطن المبتدئ متناقضا وسيأتي القول فيه [مشروطا مشروحا] إن شاء الله تعالى.
٦٧٩- ثم الذي يقتضيه الترتيب أن نبتدىء القول في ماهية القياس ثم نبتني عليه نقل [المذاهب] في اعتقاد صحته وفساده ونبين المختار عندنا حتى إذا ثبت وجوب القول بالقياس على الجملة رتبنا بعده تراجم الكتاب على نظام وخضنا في الوفاء ببيان الجمل والتفاصيل.
١ القياس في اللغة: يطلق على تقدير شيء بشيء آخر فيقال قست الأرض بالمتر أي قدرتها به. ويطلق أيضا على مقارنة شيء بغيره لنعرف مقدار كل منهما بالنسبة للآخر ثم شاع استعمال القياس في التسوية بين الشيئين حسية كانت التسوية أم معنوية فمن الأولى قول القائل قست هذه الورقة بهذه الورقة بمعنى سويتها بها ومن الثانية قول القائل علم فلان لا يقاس بعلم فلان بمعنى لا يساويه أي لا يسوى به "الوجيز" "ص ١٩٢".