١١٥٢- فإن قيل: قد [أثبتم] الاستدلال ولم تقبلوه على الإرسال وزعمتم أن المقبول منه ما يلتفت إلى الأصول ويضاهي معانيها ولم تأتوا في ذلك بقول ضابط يستبين به المردود من المقبول.
قلنا: الوجه في ذلك أن نقول: إذا ثبت حكم متفق عليه في أصل ثم رام المستنبط إثارة معنى يعتقده مناطا للحكم [فما الضبط] فيما يقبل منه وما يرد؟ فليقل المستدل: كل معنى لو ربط به حكم متفق عليه في أصل لجرى و [استد] فإذا اعتبره المستدل عليه من غير إسناد إلى أصل كان مقبولا إذ المعنى الذي يبديه المستنبط لا يشترط فيها أن يسنده إلى معنى الذي يبديه وفاقي مماثل له ولكن يكفي أن يناسب ويسلم على السبر ويثبت ببعض الطرق المذكورة في إثبات العلل فكل علة إذا لا يشترط في ثبوتها أن تعهد ثابته بعينها [قبل أن يرى] المستنبط مثلها في غير محل الاستنباط فكل معنى في أصل فمتعلقه معنى وهو في حكم مستدل به وليس التعلق بحكم الأصل ولا بحصول الوفاق عليه.
١١٥٣- وإن قربنا العبارة قلنا: ليعتقد المستدل صورة مختلفا فيها متفقا على حكمها [ولير] رأيه في استنباط معناه وإن كان لا يستد فكره إلا بمستند.
وبالجملة لا يحدث الناظر [الموفق] مسلكا إلا وبينه وبين ما تمهد في الزمن الماضي من السلف الصالح مداناة.
والذي ننكره من مالك رضي الله عنه [تركه] رعاية ذلك وجريانه على الاستدلال في الاستصواب من غير [اقتصاد] .
ونحن نضرب في ذلك مثالا ثم نذكر بحسبه لمالك مذهبا.
١١٥٤- فلو قدر وقوع واقعة حسبت نادرة لا عهد بمثلها فلو رأى ذو نظر جدع الأنف أو اصطلام الشفة وأبدى رأيا لا تنكره العقول صائرا إلى أن العقوبات مشروعة لحسم الفواحش وهذه العقوبة لائقة بهذه النادرة فمثل هذا مردود.
ومالك رضي الله عنه التزم مثل هذا في تجويزه لأهل الإيالات القتل في التهم العظيمة حتى نقل عنه الثقات أنه قال: أنا أقتل ثلث الأمة لاستبقاء ثلثيها.