للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب القول في التعليق بشرائع الماضين.

٤١١- اضطربت المذاهب في ذلك فصار صائرون إلى أنا إذا وجدنا حكما في شرع من قبلنا ولم نر في شرعنا ناسخا له لزمنا التعلق به وللشافعي ميل إلى هذا وبنى عليه أصلا من أصوله في كتاب الأطعمة وتابعه معظم أصحابه.

٤١٢- وذهب ذاهبون من المعتزلة إلى أن التعلق بشرع من قبلنا غير جائز عقلا وبنوا مذهبهم على أن ذلك لو قدر لأشعر بحطيطة في شريعتنا ولتضمن ذلك أيضا إثبات حاجة إلى مراجعة من قلنا وهذا حط من مرتبة الشريعة وغض من منصب المصطفى عليه السلام.

٤١٣- وصار صائرون إلى أن ذلك لا يمتنع عقلا ولكنه ممنوع شرعا واعتصموا بما روى أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم بلغه أن عمر كان يراجع اليهود في أقاصيص بني إسرائيل فسأله رسول الله صلى الله ليه وسلم عن ذلك ونهاه عن صنيعه وقال١: "لو كان ابن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي".

٤١٤- والمختار عندنا أن العقل لا يحيل إيجاب اتباع أحكام شرع من قلنا إذا لم يرد في شرعنا ناسخ له وما ذكره بعض المعتزلة من أن ذلك غض من الدين وحط من مرتبة الشريعة [وتنفير من اتباع شرعة الحق] ساقط لا حاجة إلى إيضاح بطلانه ولكن ثبت عندنا شرعا أنا لسنا متعبدين بأحكام الشرائع المتقدمة والقاطع الشرعي في ذلك: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يترددون في الوقائع بين الكتاب والسنة والاجتهاد إذا لم يجدوا متعلقا فيهما وكانوا لا يبحثون عن أحكام الكتب المنزلة على النبيين والمرسلين قبل نبينا عليهم الصلاة والسلام.

٤١٥- فإن قيل: امتنع ذلك عليهم من جهة أن أهل الأديان السابقة حرفوا كتبهم وغيروها عن الوجوه التي نزلت عليها قلنا هذا باطل من وجوه:.

أحدها: أن ما ذكروه يجر مساقه إلى أنه لا يجب التتبع للشرائع المتقدمة لمكان


١ أحمد ٣/٣٨٧, ودلائل النبوة ١/٨, وابن عساكر ٥/١٦٢, والدارمي ١/١١٥, وابن أبي عاصم في السنة ٢/٥, والإرواء ٦/٣٤, وقال: حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>