النظر ولو نشر بالمنشار لم يكع ولم يرجع وكيف يتجه إنكار الطمأنينة والكفار مطمئنون إلى كفرهم ومن أنكر ذلك منهم مع اتفاقهم على الإخبار عن طمأنينتهم وهم الجم الغفير والعدد الكثير الذي لا يحويهم بلد ولا يحصيهم عدد فقد خرق حجاب الهيبة واستأصل قاعدة العرف فقد بطل حدهم.
وقال القاضي أبو بكر رحمه الله: العلم معرفة المعلوم على ما هو به فإذا قيل له المعرفة هي العلم قال مجيبا الحد هو المحدود بعينه ولو كان غيره لم يكن حده وإنما على الحاد أن يأتي بعبارة يظن السائل عالما بها إن جهل ما سأل عنه فإن جهل العبارات كلها فسحقا سحقا.
ولست أرى ما قاله القاضي سديدا فإن الغرض من الحد الإشعار بالحقيقة التي بها قيام المسئول عن حده وبه تميزه الذاتي عما عداه وهذا لا يرشد إليه تغاير العبارات فإن قيل قد تتبعتم عيون كلام المحققين بالنقض فما المرتضى عندكم في حقيقة العلم وهل العلم مما تحويه صناعة الحد أم لا فليس كل شيء محدودا.
٤١- قلنا: الرأي السديد عندنا أن نتوصل إلى درك حقيقة العلم بماحثة نبغي بها ميز مطلوبنا مما ليس منه فإذا انتفضت الحواشي وضاق موضع النظر حاولنا مصادفة المقصد جهدنا.
٤٢- فنقول: الجهل عقد يتعلق بالمعتقد على خلاف ما هو به والعلم خالفه في ذلك ويتميز عنه والشك والظن يترددان بين معتقدين وهو بخلافهما في ذلك فلا يبقى إلا النظر في عقد يتعلق بالمعتقد على ما هو به من مقلد في ذلك مع التصميم والاستقرار مع القطع بأنه ليس علما والنظر في العلم الحق وما يتميز به عن عقد المقلد فليجرد الناظر فكره لمحاولة المميز بينهما فإن استتب له ذلك فقد أحاط بحقيقة العلم فإن ساعدت عبارة سديدة في الحد حد بها وإن لم تساعد اكتفى بدرك الحقيقة ولم يضر تقاعد العبارة فليس كل من يدرك حقيقة شيء تنتظم له عبارة عن حده ولو فرضنا رفض اللغات ودروس العبارات لاستقلت العقول بدرك المعقولات وإيضاح ذلك بالمثال أن ذا العقل يدرك [حقيقة] رائحة المسك ولو رام أن يصوغ عبارة عنها لم يجدها.
فنقول: عقد المقلد إذا لم يكن له مستند عقلي فهو على القطع من جنس الجهل وبيان ذلك بالمثال أن من سبق إلى عقده أن زيدا في الدار ولم يكن فيها.