للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب المنتمون إلى التحقيق من هؤلاء إلى أن الفحوى الواقعة نصا مقبولة قطعا وليس ثبوتها من جهة إشعار الأدنى بالأعلى ولكن مساق قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ١ إلى مختتم الآية مشتمل على قرائن في الأمر بالتناهي في البر يدل مجموعها إلى تحريم ضروب التعنيف وليس يتلقى ذلك من محض التنصيص على النهي عن التأفيف إذ لا يمتنع في العرف أن يؤمر بقتل شخص وينهى عن التغليظ عليه بالقول والمواجهة بالقبيح وضابط مذهب هؤلاء أن المقطوع به يستند إلى قرائن مجتمعة ولا سبيل إلى نفى القطع وما يتطرق إليه الظنون فهو من المفهوم المردود عندهم وإن كان مقتضيا للموافقة عند القائلين بالمفهوم.

٣٥٧- ومما تردد فيه من رد المفهوم الشرط وأبوابه فذهب الأكثرون إلى الاعتراف باقتضاء الشرط وتخصيص الجزاء به وغلا غالون بطرد مذهبهم في رد اقتضاء الشرط تخصيص الجزاء به وهذا سرف عظيم.

٣٥٨- ومن قال بالمفهوم حصر مفهوم الموافقة في إشعار الأدنى في قصد المتكلم بالأعلى ثم ينقسم ذلك إلى ما يقع نصا وإلى ما يقع ظاهرا فالواقع نصا كالمتلقى من قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ٢ وما يقع ظاهرا كقوله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ٣ فقال الشافعي تقييد القتل بالخطأ في إيجاب الكفارة يدل على أن إيجابها في قتل العمد أولى وهذا الذي ذكره ظاهر غير مقطوع به إذ يتطرق إليه إمكان اخر سوى ما ذكره الشافعي من إشعار الأدنى بالأعلى.

٣٥٩- فأما مفهوم المخالفة فقد حصره الشافعي في وجوه من التخصيص منها التخصيص بالصفة كقوله٤: "في سائمة الغنم زكاة" ٥ وكقوله عليه السلام٦: "ليّ الواجد ٧ ظلم" ومنها التخصيص بالعدد والتقدير والتخصيص بالحد والتخصيص بالمكان والزمان وظاهر هذه التخصيصات في هذه الجهات يتضمن نفى المسكوت عنه.


١ آية "٨٣" سورة البقرة, و"٣٦" سورة النساء, و"١٥١" سورة الأنعام, و"٢٣" سورة الإسراء.
٢ سبقت.
٣ آية "٩٢" سورة النساء.
٤ سبق تخريجه.
٥ سائمة الغنم:
٦ أبو داود "٣٦٢٨", والنسائي ٧/٣١٦, ٣١٧ رقم "٤٦٨٩, ٤٦٩٠", وابن ماجه "٢٤٢٧", وأحمد "٤/٢٢٢, ٣١٦, ٣١٧, ٣٨٨, ٣٨٩", وابن حبان "٧/٢٢٣/٥٠٦٦", والحاكم "٤/١٠٢" وقال: صحيح الإسناد, والبيهقي ٦/٥١.
٧ لي الواجد: مطله, والواجد: القادر على الأداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>