وبالجملة ليس يخلو المتمسك لهولاء من وجه أو وجوه [توهى] ما يحولونه ويتخذونه معولهم فكيف يسوغ التعلق بالمحتملات في محاولة القطع والبتات؟.
٣٦٦- ثم قال القاضي هذه الأخبار وإن زادت أضعافا مضاعفة فلا [تبلغ] مبلغ الاستفاضة فإن رواة هذه الأقاصيص لو اجتمعوا على نقل قصة واحدة لم تتواتر بنقلهم والمعتبر في ذلك أنا مضطرون إلى العلم بجود حاتم وشجاعة على ولا نجد في أنفسنا العلم الضروري باعتقاد الأولين اقتضاء التخصيص نفى ما عدا المخصص.
٣٦٧- طريقة أخرى لأصحاب المفهوم ضعيفة: وهي أنهم قالوا: إذا قال الرجل لمن يخاطبه: اشتر لي عبدا هنديا اقتضى ذلك نهيه عن شراء من ليس هنديا قالوا هذا ومثله مما لا يتمارى فيه أهل اللسان.
فنقول: لا حاصل لهذا الفن فإن المأمور كان محجورا عليه مقبوضا على يديه في حق من [وكله] قبل أن وكله واستنابه ثم ثبت التوكيل على الخصوص واستمر ما كان ثبت قبل في غير المحل المخصوص بالصفات والذي يقطع الشغب عنا أن فرض التخصيص باللقب في هذا بمثابة فرض التخصيص بالصفات.
٣٦٨- فأما الإمام الشافعي فإنه احتج في إثبات القول بالمفهوم بأن قال إذا خصص الشارع موصوفا بالذكر فلا شك أنه لا يحمل تخصيصه على وفاق من غير انتحاء قصد التخصيص وإجراء الكلام من غير فرض تجريد القصد إليه يزري بأوساط الناس فكيف يظن ذلك بسيد الخليقة صلى الله عليه وسلم؟ فإذا تبين أنه إذا خصص فقد قصد إلى التخصيص فينبني على ذلك أن قصد الرسول عليه السلام في بيان الشرع يجب أن يكون محمولا على غرض صحيح إذ المقصود العرى عن الأغراض الصحيحة لا يليق بمنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت القصد واستدعاؤه غرضا فليكن ذلك الغرض آيلا إلى مقتضى الشرع وإذا كان كذلك وقد انحسمت جهات الاحتمالات في إفادة التخصيص انحصر القول في أن تخصيص الشيء الموصوف بالذكر يدل على أن العاري عنها حكمه بخلاف حكم المتصف بها والذي يعضد ذلك من طريق التمثيل أن الرجل إذا قال السودان إذا عطشوا لم يروهم إلا الماء عد ذلك من ركيك الكلام وهجره وقيل لقائله لا معنى لذكرك السودان وتخصيصهم مع العلم بأن من عداهم في معناهم.