والوجه في ذلك أن يقال ثبت عندنا أن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحرون لأنفسهم في القربات ما يصح عندهم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا اختلفوا في قربة فروى لهم صادق موثوق به عن المصطفى صلى الله لعيه وسلم فعلا كانوا يتبدرونه ابتدارهم أقواله ولا ينكر هذا منصف فالوجه أن نقول إن رددنا إلى الفعل ومقتضاه أو إلى مدلول المعجزة فإنهما يفضيان إلى الوقف كما قال الواقفية ولكن تأكد عندنا من عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التأسي به في كيفية أفعاله في قربة فليحمل هذا على الإجماع [ولا يقطع] به في مقتضى العقل والمعجزة وكل ذلك فيما ظهر وقوعه على قصد القربة من الرسول صلى الله عليه وسلم.
٤٠١- فأما فعله المرسل الذي لا يظهر وقوعه منه على قصد القربة فقد ذهب طوائف من حشوية الفقهاء إلى أنه محمول على الوجوب كالذي سبق في القرب وقد عزى ذلك إلى ابن سريج بعض النقلة وهذا زلل وقدر الرجل عن هذا أجل ومذهب الوجوب وإن لاح بطلانه في القرب فهو على حال يصلح أن يكون معتقدا لمعتقد من حيث إنه يقول هو إمام الخليقة في الطاعة فإذا لم يظهر انتفاء الوجوب بنى الأمر على الوجوب أخذا بالأحوط فأما التزام هذا المذهب في كل فعل يصدر منه وإن لم يظهر كونه قربة فبعيد جدا.
٤٠٢- فإن قيل: فما المرتضى في هذا القسم؟ قلنا: أما الواقفية فيطردون مذاهبهم في الوقف ومذهبهم في هذه الصورة أظهر وأما أصحاب الندب فقد يصيرون إليه وهو رديء مزيف بمثل ما زيفنا به مذهب أصحاب الوجوب في هذا القسم فإن انقسام فعله [إلى الواجب وغيره كانقسام فعله] إلى المندوب وغيره فالمختار إذا أن فعله لا يدل بعينه ولكن يثبت عندنا وجوب حمله على نفى الحرج فيه عن الأمة ومستند هذا الاختيار إلى علمنا بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اختلفوا في حظر أو إباحة فنقل الناقل في موضع اختلافهم فعلا عن المصطفى لفهموا منه أنه لا حرج على الأمة في فعله وجاحد هذا جاهل بمسالك النقل فضلا عن المعنى واللفظ وأما ادعاء اعتقادهم أن فعله واجب على غيره أو مندوب مستحب فدعوى عرية لا تستند إلى قضية المعجزة ولا إلى عادتهم ولا إلى صفة الفعل.
فهذا منتهى القول في أقسام أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نجاز الغرض في هذا الفصل.