للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتضاء العموم فإذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ابتداء لأبناء على سؤال ولا تطبيقا للكلام على حال "لا صيام" فظن ظان أن الصوم الذي هو ركن الإسلام وهو القاعدة في الصيام لم يعنه ولم يرده وإنما أراد ما يقع فرعا للفرائض الشرعية كالمنذورات وفرعا للأداء كالقضاء فقد أبعد ونأي عن مأخذ الكلام وهلم جرا إلى استتمام الطرق المقدمة في المسألة الأولى.

٤٤٥- وذكر أصحاب أبي حنيفة مسلكا آخر في التأويل وعزوه إلى الطحاوي١ وذكروا أنه كان يتبجح به وهو أنه قال: أراد صلى الله عليه وسلم نهى الرجل عن الاكتفاء بنية صوم الغد في بياض نهار اليوم فقال: فعليه أن يؤخر النية إلى غيبوبة الشمس حتى يكون بإيقاع النية في الليل مبيتا وزعم هذا المؤول أن مسلكه هذا يجري في جميع أنواع الصيام فرضها ونفلها وهذا كلام غث لا أصل له وهو يحط من مرتبة الطحاوي أن صح النقل عنه.

٤٤٦- والدليل على بطلانه وجهان قريبان أحدهما أن هذا اللفظ لو سمعه عربي ناشئ من منبع اللغة لم يسبق إلى فهمه النهي عن إيقاع نية صوم الغد في يوم قبله وبالجملة هذه صورة شاذة نادرة تجري في أدراج الكلام للوسواس يضعها المتكلفون وظاهر الخطاب ينزل على ما يفهمه المخاطبون فإن أنكر الخصم أن المفهوم من الخطاب ما ذكرناه سقطت مكالمته ولم يبق إلا أن يرد إلى حكم اللسان وتفاهم أهل التحاور وإن اعترف أن هذا هو الظاهر فحمل كلام الرسول عليه السلام على نادر شاذ باطل بالمسلك الذي ذكرناه.

٤٤٧- والوجه الثاني: أن هذا الفن إنما يذكر نهيا عن الذهول وتحذيرا من الغفلة واستحثاثا على تقديم التبييت وهذا يجري مجرى الفحوى التي لا ينكرها محصل فإذا حمل حامل ذلك على النهي عن التقديم على الليل كان ذلك نقيض مقصود الخطاب.

٤٤٨- والكلام الوجيز فيه: أن مقصود الخطاب الأمر بتقديم النية, والنهي عن


١ الطحاوي هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأردي المصري الحنفي. الإمام العلامة الحافظ. قال الشيرازي في: الطبقات: انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر. له مؤلفات كثيرة منها: "شرح معاني الآثار" و "شرح مشكل الحديث". مات سنة "٣٢١". له ترجمة في: البداية والنهاية ١١/١٧٤, وشذرات الذهب ٢/٢٨٨, ووفيات الأعيان ١/٥٣, ومفتاح السعادة ٢/٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>