فيما يدرك بالعقل لا غير وفيما يدرك بالسمع لا غير وفيما يجوز فرض إدراكه بهما جميعا.
٥٤- فأما مالا يدرك إلا بالعقل فحقائق الأشياء ودرك [استحالة] المستحيلات وجواز الجائزات ووجوب الواجبات العقلية لا التكليفية الضرورية منها والنظرية.
وأما ما لا يدرك إلا بالسمع فوقوع الجائزات وانتفاؤها وأما ما يشترك فيه السمع والعقل وبذكره ينضبط ما تقدم من القسمين فنقول فيه كل مدرك يتقدم على ثبوت كلام صدق فيستحيل دركه من سمع فإن مستند السمعيات كلها الكلام الحق الصدق.
وبيان ذلك بالمثال: أن وجود الباري سبحانه وتعالى: وحياته وأن له كلاما صدقا لا يثبته سمع فأما من أحاط بكلام صدق ونظر بعده في جواز الرؤية وفي خلق الأفعال وأحكام القدرة فما يقع من هذا الفن بعد ثبوت مستند السمعيات لا يمتنع اشتراك السمع والعقل فيه.
فصل
يشتمل على مقدار من مدارك العقول تمس الحاجة إليه في مسائل الأصول.
٥٥- فنقول لا يجول العقل في كل شيء بل يقف في أشياء وينفذ في أشياء ولا يحصل مقدار غرضنا في هذا المجموع من مضمون هذا الفصل العظيم القدر إلا بتقديم قاعدة موضع استقصائها كتاب النظر من الكلام.
فالنظر عندنا مباحثة في أنحاء الضروريات وأساليبها ثم العلوم الحاصلة على أثرها كلها ضرورية كما سبق تقرير ذلك وتلك الأنحاء يئول حاصل القول فيها إلى تقاسيم منضبطة بالنفي والإثبات منحصرة بينهما يعرضها العاقل على الفكر العقلي ويحكم فيها بالنفي والإثبات فإن كان ينقدح فيها نفى أو إثبات قطع به وليس للدليل تحصيل إلا تجريد الفكر من ذي نحيزة صحيحة إلى جهة يتطرق إلى مثلها العقل فإذا استد النظر وامتد إلى اليقين والدرك فهو الذي يسمى نظرا ودليلا.
وبيان ذلك بالأمثلة الهندسية والأرتماطيقية والكلامية فمن المقدمات الهندسية ما تهجم العقول عليها من غير احتجاج إلى فكر كالعلم بأن الجزء أقل من الكل والكل.