ناداهم إنسان برواية لا يبتدروا العمل [بروايته ما لم يبحثوا عن حالته ويطلعوا على باطن عدالته ومن ظن أنهم كانوا يعملون] برواية كل مجهول الحال فقد ظن محالا وظهور ذلك مغن عن [تقريره] وإذا كنا نتعلق في العمل بالرواية بإجماعهم [فإن لم نتحقق إجماعهم على التوقف في العمل برواية المستور لم نجد متعلقا نتمسك به في قبول روايته] فكيف وقد استمر لنا قطعا منهم التوقف في المجهول المستور الحال؟
٥٥٤- والذي أوثره في هذه المسألة ألا نطلق رد رواية المستور ولا قبولها بل يقال رواية العدل مقبولة ورواية الفاسق مردودة ورواية المستور موقوفة إلى استبانة حالته ولو كنا على اعتقاد في حل شيء فروى لنا مستور تحريمه فالذي أراه وجوب الانكفاف عما كنا نستحله إلى استتمام البحث عن حال الراوي وهذا هو المعلوم من عادتهم وشيمهم وليس ذلك حكما منهم بالحظر المترتب على الرواية وإنما هو توقف في الأمر فالتوقف عن الإباحة يتضمن الانحجاز وهو في معنى الحظر فهو إذا حظر مأخوذ من قاعدة في الشريعة ممهدة وهي التوقف عند بدء ظواهر الأمور إلى استتبابها فإذا ثبتت العدالة فالحكم بالرواية إذ ذاك.
٥٥٥- ولو فرض فارض التباس حال الراوي واليأس من البحث عنها بأن يروي مجهول ثم يدخل في غمار الناس ويعسر العثور عليه فهذه مسألة اجتهادية عندي والظاهر أن الأمر إذا انتهى إلى اليأس لم يلزم الانكفاف وانقلبت الإباحة كراهية.
٥٥٦- فإن قيل: أليس روى أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال فأمر النبي عليه السلام بالصيام ولم يبحث عن حال الأعرابي قلنا: لعله علمه وأحاط به علما فلا يصح التمسك بمثل هذا مع تعارض الاحتمالات فيه والمطلوب القطع.
٥٥٧- فإن قالوا: الأصل نقيض الفسق فليطرد قبول الرواية إلى تحقق الفسق قلنا: هذه دعوى عرية عن البرهان وهو في التحقيق اقتصار على ترجمة المذهب فإنا نقول: الرواية قبولها موقوف على ظهور العدالة ومن يخالف يزعم أن الرد منوط بظهور الفسق وعلى الجملة لسنا نرتضي التمسك بالتخييلات في مسالك القطعيات وفي كل أصل من الأصول قاعدة كلية معتبرة فكل تفصيل رجع إلى الأصل فهو جار على السبيل المطلوب وكل ما لم نجد مستندا فيه ومتعلقه تخييل ظن فهو.