فلانا وكان الراوي من يقبل تعديله لعدالته واستقامة حالته وعلمه بالجرح والتعديل ودرايته فهذا يورث الثقة لا محالة.
٥٨٠- وليست الثقة على قضية واحدة بل هي على أنحاء ولها مبتدأ ومنتهى ووسائط بينهما ويبعد أن يشترط في الراوي أن يعرفه كل من يبلغه خبر مسند حتى يسنده إليه وإذا استحال اشتراط هذا لزم على الاضطرار تعديل حال من يلتزم موجب الإخبار على تعديل الأئمة المشهورين وعرفانهم فإذا قال أخبرني الثقة أو من لا أتمارى فيه خيرا ونبلا فقد أفضى ذلك إلى المطلب المقصود في الثقة أو من لا أتمارى فيه خيرا ونبلا فقد أفضى ذلك إلى المطلب المقصود في الثقة وكذلك إذا قال الإمام الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا بالغ في ثقته بمن روى له فليطرد الطارد ما ذكرناه طردا وعكسا في صور الإرسال وليحكم في رده وقبوله بموجب الثقة.
٥٨١- ثم مخالفة الشافعي في أصول الفقه شديدة وهو ابن بجدتها وملازم أرومتها ولكني رأيت في كلام الشافعي ما يوافق مسلكي هذا وتقر به الأعين.
قال رحمه الله: مرسلات ابن المسيب١ حسنة وشبب بقولها والعمل بها وقال في كتاب الرسالة العدل الموثوق به إذا أرسل وعمل بمرسله العاملون قبلته.
وقد تعرض القاضي لتفصح كلام الشافعي في هذا الفصل فقال قوله مراسيل ابن المسيب حسنة لست أدري ما الذي يحسنها؟ وقد بلغت عن هذا الحبر أنه قال في بعض مجموعاته تتبعت مراسيل سعيد فألفيت معظمها مسندا من غير طريقه.
وهذا فيه نظر فإن التمسك بإسناد من أسند وعليه إحالة العمل والقبول لا على المراسيل فأما العمل إن لم يكن على وفاق فلا وقع له وإن كان على وفاق فالتمسك [بالإجماع] فهذا معترضه على الشافعي.
٥٨٢- والذي لاح لي أن الشافعي ليس يرد المراسيل ولكن يبغي فيها مزيد تأكيد بما يغلب على الظن من جهة أن الإرسال على حال يجر ضربا من الجهالة في المسكوت عنه فرأى الشافعي [أن يؤكد الثقة] فليثق الناظر بهذا المسلك الذي ذكرته فعلى الخبير سقط وقد عثرت من كلام الشافعي على أنه إن لم يجد إلا المراسيل مع
١ ابن المسيب هو: سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي أبو محمد. قال قتادة: ما رأيت أحد قط أعلم بالحلال والحرام منه. وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب. مات سنة "٩٤" وقيل: "٩٣" له ترجمته في: تذكرة الحفاظ ١/٥٤, والعبر ١/١١٠, والنجوم الزاهرة ١/٢٢٨.