للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: يدرك الأمران فيه بالنظر العقلي الجامع بينه وبين الضروري ومثلوا ذلك في التقبيح بالكذب الذي لا فائدة فيه والكذب المفيد فقالوا ما لا يفيد من الكذب يدرك قبحه ببديهة العقل والمفيد ملحق بغير المفيد بمسلك [لهم] نظري سنذكره في شبههم وكذلك قولهم في الظلم الذي لا يفيد مع المفيد منه فهذا أحد القسمين.

والقسم الثاني: ما يقضي الشرع بالتقبيح فيه والتحسين والعقول لا تستدركها وزعموا أن معظم تفاصيل الشريعة في المأمورات والمنهيات تنحصر في هذا القسم ثم قالوا إنما يرسم الشارع عليه السلام منها ما يرسم لوقوعها في المعلوم ألطافا داعية إلى الخير والشارع إنما يأمر بما يعلم أن امتثال أمره فيه يدعو إلى المثابرة على المستحسنات العقلية وكذلك القول في نقيضها من النهي في التفصيل.

واضطرب١ النقلة عنهم في قولهم يقبح الشيء لعينه أو يحسن فنقل عنهم أن القبح والحسن في المعقولات من صفات أنفسها ونقل عنهم أن القبح صفة النفس وأن الحسن ليس كذلك ونقل ضد هذا عن الجبائي٢ وكل ذلك جهل بمذهبهم فمعنى قولهم يقبح ويحسن الشيء لعينه أنه يدرك ذلك عقلا من غير إخبار مخبر.

١١ - وقد سلك القاضي [أبو بكر٣ - رحمه الله] في الرد عليهم مسلكين:.

أحدهما أنه قال ما ادعيتم الضرورة فيه فأنتم منازعون فيه ويتبين ذلك بمخالفة عددنا لهم وافترائهم في دعوى الضرورة فإن ما يدرك بمبادئ العقول لا يجوز في استمرار العرف مخالفة الجمع العظيم فيه وإنما ينشأ الخلاف في النظريات لانقسام الناس إلى الناظرين والمضربين ثم ينقسمون بعد افتتاح النظر لاختلاف القرائح٤ والطبائع ولهذا لا يجوز اتفاق العقلاء في نظري عقلي كما لا يسوغ.


١ اضطرب: اختلف.
٢ الجبائي: هو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمدان البصري. أخذ عن أبي يوسف يعقوب الشحام البصري وغيره أخذ عنه ابنه أبو هاشم والشيخ أبو الحسن الأشعري ثم اعرض الأشعري عن طريق الاعتزال وتاب منه. مات سنة "٣٠٣" له ترجمة في: البداية والنهاية "١١/١٢٥" والنجوم الزاهرة "٣/١٨٩" ووفيات الأعيان "٣/٣٩٨"
٣ القاضي أبو بكر هو: محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني رأس المتكلمين على مذهب الشافعي وهو من أكثر الناس كلاما وتصنيفا فيه له مصنفات كثيرة أهمها الرد على الباطنية الذي سماه "كشف الأسرار" مات سنة "٤٠٣". له ترجمة في: البداية والناهية "١١/٣٥٠".
٤ القرائح: جمع قريحة وهي الطبيعة التي جبل عليها الإنسان فالعطف هنا للتفسير "المعجم الوجيز" ص "٤٩٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>