القطع باطل ونعارض ما ذكروه بالآي الدالة على الأمر بالنظر والاستحثاث على الاعتبار ويتطرق إلى ما يعارضون به من الأعتراضات ما تطرق إلى ما استدلوا.
٧٠٥- فإن قالوا: وجوب العمل معلوم عندكم مقطوع به وهذا العلم مرتب على الظن ويستحيل أن ينتج الظن علما.
قلنا: الأقيسة لا تقتضي العلم بوجوب العمل لأعيانها والعمل لا يقع بها وإنما يقع عندها والعلم بوجوبه مستند إلى أدلة قطعية [سنبديها] وقد تقرر هذا الفن في مواضع من هذا الكتاب.
٧٠٦- ومن تمويهاتهم في ذلك قالوا: إذا لم يمتنع انتهاض الظن علما بالعمل فينبغي [أن] تبعدوا أن ينتصب الظن علما في العلم بوقوع الرؤية.
قلنا لو قام دليل قاطع على أن وقوع الظن علم ينصبه الله تعالى لوقوع شيء رؤية كانت أو غيرها لم يبعد ذلك ومستند العلم ناصب الظن لا عينه.
٧٠٧- والذي تمسك به النظام ورهطه وهو معتصم القوم أن العقول لا تدل على وجوب العمل بالظنون وإنما يبغي الناظر ذلك إن كان من مآخذ السمع ثم لا يقع الاكتفاء بالظواهر فإن إثبات القياس عند القائلين به مقطوع به وقواطع السمع نص الكتاب أو نص السنة المتواترة وليس في إثبات القياس نص كتاب ولا نص سنة متواترة.
والإجماع قد نفاه النظام [أصلا] وزعم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس إلى اتباع الإجماع وراموا أن يتخذوا رءوسا فقرروا الإجماع وأسندوا إليه ما يرون وأخذوا يحكموا مسترسلين فيما لا نهاية له وأصول الشريعة مضبوطة.
ومن قال بالإجماع يقول: القول بالقياس مختلف فيه ومعظم الأمة على رده فادعاء الإجماع فيه محال ولا نص ومسالك العقول منحسمة فلم يبق بالقول على القياس دليل.
وربما عضدوا ذلك بأن يقولوا: الأمارات التي يستنبطها القياسيون لا تقتضي الأحكام لأعيانها فإن الشدة المطربة التي يعتقدها القياسيون علة في تحريم الخمر كانت ثابته قبل الشرع وفي الملل السالفة ولا تحريم وكانت الخمر مباحة في بدء الإسلام مع قيام الشدة والإطراب والقايس لا يتوهمها موجبة لعينها وإنما يتوهم نصب.