وملاحظة قواعد متبعة عندهم وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله تعالى فإن لم يصادفوه فتشوا في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجدوها اشتوروا ورجعوا إلى الرأي.
٧١٢- والذي يوضح ما ذكرناه أنهم مع اختلاف مذاهبهم في مواقع الظنون ومواضع التحري ما كانوا ينكرون أصل الاجتهاد والرأي وإنما كان بعضهم يعترض على بعض ويدعوه إلى ما يراه هو ولو كان الاجتهاد حائدا عن مسالك الشريعة لأنكره منهم منكر وإذا لاح المعنى فترديد العبارات عنه هين. ونحن نوضح المقصد بأسئلة وتخييلات وأجوبة عنها:
٧١٣- فإن قيل: قد صح من بعضهم التغليظ على بعض في مسائل كقول ابن عباس في رد العول مع من كان يكلمه وقولهم في الرد عليه وقد صح انتهاء القول إلى المباهلة [في] الأقاصيص المشهورة.
قلنا: لم ينكر أصل الاجتهاد أحد منهم وإنما كانوا ينتاظرون في الذب عن وجوه الاجتهاد والدعاء إلى غيرها من الاجتهاد وكانوا مجمعين على الأصل مختلفين في التعيين والتفصيل نحو اختلاف علماء الدهر.
٧١٤- فإن قيل: غايتكم في هذا ادعاء اجتهاد بعضهم وسكون الباقين وقد ذكرتم في مسائل الإجماع أنه لا ينسب إلى ساكت قول.
قلنا: هذا باطل من أوجه منها أنه لم يخل أحد من علماء الصحابة من الاجتهاد في مسائل وإن لم ينقل عنهم الاجتهاد في مسألة واحدة فقد صح النقل المتواتر في مصير كل واحد منهم إلى أصل الاجتهاد في مسائل قضى فيها أو أفتى بها ثم أحداث قاعدة في الشريعة تستند إليها الأحكام بل يصدر عنها معظم الشريعة مما لا يجوز السكوت عليه لو لم يكن ثابتا وإنما يسوغ السكوت عن المظنونات وليس من تكلم في القياس ردا وقبولا ممن يجترئ بالظن بل كل فريق قاطعون بما يذكرون ويعتقدون وقد ذكرنا مسألة الانتشار وأنه لا يجوز السكوت مع طول الزمان وتذاكر أهله ولو كان الأمر مظنونا فكيف يسوغ في مطرد العرف تصرف علماء الصحابة في مذاهب الاجتهاد على الدوام من غير فتور فيه ثم يسكت عنه من يعتقد بطلانه.
٧١٥- فإن قالوا: بم تنكرون على من يزعم أنهم كانوا يتلقون الأحكام من استنباطات من الظواهر والعمومات وفحوى الخطاب.