٨٠٢- فإن قال قائل: لم ينقل ذلك في عينه فالسبب فيه أنهم كانوا ما أجروا ذكر أصل [واستنباطا] منه وإن كان ذلك هو الطريقة المثلى عند القايسين وما لا يستند إلى أصل فهو استدلال مختلف فيه ولكنهم ما اعتنوا إلا بذكر المعاني فاكتفوا بإطلاقها عن ذكر أصولها وما تكلفوا جمعا وإن كان الجمع معتبرا باتفاق النظار والمسائل لا تشهد بصورها ما لم تربط الفروع بها والذي تحصل منهم التوصل إلى ابتغاء غلبة الظن في بغية الشارع على أقصى الجهد.
٨٠٣- وأنا أقول: لو ثبت عندهم أو عرض عليهم انتفاء حكم عند انتفاء علم وثبوته عند ثبوته لابتدروه ابتدارهم الأخبار لا طرق النظر فإن ما ثبت من ذلك يعزى إلى الشارع في النفي والإثبات وكانوا يحومون على إشارته وتنبيهاته كما يتعلقون يظاهر ألفاظه وصريح عباراته فليقطع المحصل قوله بما انتهى إليه الكلام من الاستمساك بالطرد والعكس.
٨٠٤- وما ذكره القاضي من كون الطرد [متنازعا] فيه وكون العكس مستغنى عنه فمن التشدق والتفيهق الذي يستزل به من لا يعد من الراسخين وسبيل الكلام عليه أن نقول مجموعهما هل يغلب على الظن انتصاب ما اطرد وانعكس علما أم لا فإن زعم أنه لا يغلب انتسب إلى العناد وإن سلم إفادته غلبة الظن وقد تقرر أن القايسين غايتهم أن يظنوا ظهور علم على حكم وهم يعترفون بأن الجهات التي تفضي إلى غلبة الظن ليست منحصرة ومن تأمل مجارى كلامهم لم يسترب في أمرين.
أحدهما: أن الأولين رضي الله عنهم ما كانوا يشيرون إلى أمور محصورة مضبوطة يتبعونها اتباع من يقتفي اثار نصوص وتوقيفات ولو كانوا على ضوابط وحدود يتخذونها مرجعهم لما كانوا ينظرون فيه رأيا وإنما كان رجوعا إلى ضبط الشارع وتوقيفه فهذا أحد الأمرين.
والأمر الثاني: أنهم كانوا لا يرون حمل الخلق على الاستصلاح بكل رأى وإنما كانوا يحومون على قواعد الشريعة ويستثيرون منها ما يظنونه.
فيخرج من هذين الأمرين أن مبتغاهم كان أن يغلب على ظنهم مراد الشارع في علم يرتبط الحكم به.
٨٠٥- فإن قيل: إذا جعلتم الطرد والعكس مسلكا في إثبات علة الأصل فهل تشترطون العكس وما رأيكم فيه؟ قلنا: نعقد في ذلك مسألة وبها حصول الغرض على التمام فيما سبق وفيما سئلنا عنه.