٩١٢- وأنا أضرب لذلك مثلا تقديرا فأقول من سبق عقده قبل ورود الشرائع إلى تقدير ورودها بالمصالح فإنه يسبق مع هذا العقد إلى درء الحاجات والضرورات ويختبط في وجوه الاستصلاحات فإنه يتعارض فيها الظنون بالإضافة إلى الحالات والدرجات فيتوقف لا جرم فيها الضبط على ورود الشرائع ثم إذا تمهد باب من الاستصلاح بالشرع جرى القياس فيه ومستنده يكاد أن يكون غيبا لا يطلع العقل على حقيقته فيكله إلى فاطر البرية سبحانه وتعالى.
ثم قد يظهر الاستصلاح وهو مع ذلك جزئي فإن متضمنة حجرة على مطلق من غير حاجة ولا ضرورة في أمر تطرق المطلق فيه إلى البدل الكلي من غير منع ولا حجر ولكن ضنة النفوس وازعة مع وفور عقلها عن السرف والبذل العرى عن العوض وقد يحملها السرف وفرط الشره على أغرار وأخطار في المعاملات مغباتها وخيمة وغوائلها عظيمة والله تعالى عليم بها فسيصلح الله عباده بما علمه من غيبهم ولو تطرق إلى العقل الوازع عن البدل العرى عن العوض خلل طرد الشارع حجرا ولهذا يطرد الحجر على الصبيان والسفهاء.
فإذا باب الاستصلاح غايته تقليد وتفويض الأمر إلى مالك الأمر وهو باب محاسن الشريعة وقد يعيب [كلى] الاستصلاح [وجزؤه] عن الناظر ومن هذا القبيل عندي تحريم ربا الفضل والحجر المتمهد في ربا [النسيئة] .
٩١٣- ومن دقيق ما يجري في هذا الفن وهو العلق النفيس في هذا القبيل أن الشافعي ألحق إثبات الخيار والأجل [بأبواب] الرخص من جهة أن [قياس] التقابل في المعاوضات أن يخرج العوض عن ملك أحد المتعاقدين حسب دخول مقابله في ملكه وإذا حل أحد العوضين وتأجل الثاني كان ذلك خارجا عن هذا القانون وكذلك الخيار الطارئ على العقد المبني على اللزوم في حكم الرخص والتأجيل أثبت فسحة [لمن لا يملك الثمن][في الحال ورجاء أن يتمحله] إلى منقرض الآجال والخيار أثبت لتروي من لا بصيرة له وعدم الدراية في السلع أعم وأغلب من المعرفة بها.
٩١٤- والقول في ذلك عندنا أن [أصل] البيع مستندة الضرورة أو الحاجة النازلة منزلة الضرورة واللزوم [فيه] بمطلق البيع قد لا يستند إلى الضرورة نعم لو قيل لا يفضى البيع قط [إلى لزوم] جر ذلك ضرارا بينا من حيث لا يثق المتعاوضان بما يتقابضان وكان من الممكن أن يقال إذا تراضى المتعاقدان على الإلزام لزم وإن.