٩٤٥- والضرب الخامس: متضمنه العبادات [البدنية] التي لا يلوح فيها معنى مخصوص لا من مآخذ الضرورات ولا من مسالك الحاجات ولا من مدارك المحاسن كالتنظيف في الطهارة والتسبب إلى العتاقة في الكتابة ولكن يتخيل فيها أمور كلية تحمل عليها المثابرة على وظائف الخيرات ومجاذبة القلوب بذكر الله تعالى والغض من العلو في مطالب الدنيا والاستئناس بالاستعداد للعقبى.
فهذه أمور كلية لا ننكر على الجملة أنها غرض الشارع في التعبد بالعبادات البدنية وقد أشعر بذلك نصوص من القرآن العظيم في مثل قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ١ ولا يمتنع أيضا أن يتخيل فيها أمر آخر وهو أن الإنسان يبعد منه الركوب إلى السكون فالقوى المحركة تحركه لا محالة فإن تركت تحركت في جهات الشهوات وإذا استحثت بالرغبة والرهبة على العبادات انصرفت حركاتها إلى هذه الجهات وهذا فن لا يضبطه القياس ولا يحيط به نظر المستنبط والأمر فيه محال على أسرار الغيوب والله تعالى المستأثر به فلا يسوغ اعتبار ضرب إحداها في جهة اختصاصها ولا يسوغ اعتبارها في إثبات قضيتها الخاصة بغيرها من الضروب فإنا منعنا اعتبار ضرب بضرب فيما لا يستند إلى ضرورة وحاجة وإن كان يغلب على الظن [تعين] مقصود منه على منهاج الأمر بالمحاسن فلأن يمتنع ذلك من العبادات التي لا يتعين منها مقصد [أولى وأحرى] .
٩٤٦- فأما اعتبار [البعض من هذا الضرب بالبعض] فقد ينقدح فيه معان فقهية نحو اعتبار القضاء بالأداء في اشتراط تبييت النية والجامع أن النية قصد ومرتبطه الحال أو [عزم] ومتعلقه الاستقبال وقد أمرنا بإيقاع الصوم أداء وقضاء وعبادة والعبادات إنما تقع على قضية التقرب بالقصد وما مضى لا على حكم القرب يستحل انعطاف القصد والعزم عليه فهذا من [أجلى] المعاني المعتمدة وكذلك ما ضاهاها.
٩٤٧- فأما ما يثبت برسم الشارع ولم يكن معقول المعنى فلا يسوغ القياس فيه وهذا كورود الشرع بالتكبير عند التحريم والتسليم عند التحليل ومن هذا القبيل اتحاد الركوع وتعدد السجود فمن اراد أن يعتبر غير التكبير بالتكبير مصيرا إلى أنه تمجيد وتعظيم فقد بعد بعدا عظيما وزال من القاعدة الكلية فإن إيجاب الذكر عند التحليل ليس معقول المعنى.