وقائع لم يعهدوا أمثالها لكان [وقوفهم عن] الحكم يزيد على جريانهم وهذا [إذا] صادف تقريرا لم يبق لمنكري الاستدلال مضطربا.
١١٣٤- ثم عضد الشافعي هذا بأن قال: من سبر أحوال الصحابة رضي الله عنهم وهم القدوة والأسوة في النظر لم ير لواحد منهم في مجالس الاشتوار تمهيد أصل واستثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه ولكنهم يخوضون في وجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن فإذا ثبت اتساع الاجتهاد واستحال حصر ما اتسع منه في المنصوصات وانضم إليه عدم احتفال علماء الصحابة تطلب الأصول أرشد مجموع ذلك إلى القول بالاستدلال.
١١٣٥- ومما يتمسك به الشافعي رضي الله عنه أن يقول: إذا استندت المعاني إلى الأصول فالتمسك بها جائز وليست الأصول وأحكامها حججا وإنما الحجج في المعنى ثم المعنى لا يدل بنفسه حتى يثبت بطريق [إثباته] وأعيان المعاني ليست منصوصة وهي [المتعلق] فقد خرجت المعاني عن ضبط النصوص وهي متعلق النظر والاجتهاد ولا حجة في انتصابها إلا تمسك الصحابة رضي الله عنهم بأمثالها وما كانوا يطلبون الأصول في وجوه الرأي فإن كان الاقتداء بهم فالمعاني كافية وإن كان التعلق بالأصول فهي غير دالة ومعانيها غير منصوصة.
١١٣٦- ومن تتبع كلام الشافعي لم يره متعلقا بأصل ولكنه ينوط الأحكام بالمعاني المرسلة فإن عدمها التفت إلى الأصول [مشبها] كدأبه إذ قال طهارتان فكيف يفترقان؟ ولا بد في التشبيه من الأصل كما سنجري في ذلك فصلا إن شاء الله تعالى.
١١٣٧- وأما ذكره القاضي من المسلك الأول ففي طرد كلام الشافعي ما يدرؤه ولو قيل: لم يصح في النقل عن واحد طرد القياس على ما يعتاده بنو الزمان من تمثيل أصل واستثارة معنى منه وربط فرع به لكان ذلك أقرب مما قال القاضي.
١١٣٨- وأما ما ذكره من خروج الأمر عن الضبط والمصير إلى انحلال ورد الأمر إلى آراء ذوي الأحلام فهذا إنما يلزم مالكا رضي الله عنه ورهطه إن صح ما روى عنه كما [سنقيم] الآن واضح الرأي على أبي عبد الله مالك رضي الله عنه أولا حتى إذا انتجز ضممنا [النشر] وأنهينا النظر وأتينا بمسلك اليقين والحق المبين مستعينين بالله تعالى وهو خير معين.