لا محمل لترك العمل بالخبر إلا الاستهانة والإضراب وترك المبالاة أو العلم بكونه منسوخا وليس بين هذين التقديرين لاحتمال ثالث مجال.
[وقد] أجمع المسلمون قاطبة على وجوب اعتقاد تبرئتهم عن القسم الأول فيتعين حمل عملهم مع الذكر والإحاطة بالخبر على العلم بورود النسخ وليس [ما] ذكرنا تقديما لأقضيتهم على الخبر وإنما هو استمساك بالإجماع على وجوب حمل عملهم على وجه يمكن من الصواب [فكأنا] تعلقنا بالإجماع في معارضة الحديث وليس في تطريق إمكان النسخ إلى الخبر غض من قدره عليه السلام وحط من منصبه وقد قدمنا في كتاب الإجماع أن الإجماع في نفسه ليس بحجة ولكن [إجماع] أهله يشعر بصدر ما أجمعوا عليه [عن] حجة.
فهذا قول في قسم وهو: إذا بلغهم الخبر وعملوا بخلافة ذاكرين له.
١٢٠٩- فأما إذا لم يبلغهم أو غلب على الظن أنه لم يبلغهم فالتعليق بالخبر حينئذ وظني بدقة نظر الشافعي في أصول الشريعة أنه رأى التقديم للخبر في مثل هذه الصورة.
١٢١٠- وإن غلب على الظن أن الخبر بلغهم وتحققنا أن عملهم مخالف له فهذا عندي مقام التوقف والبحث فإن لم نجد في الواقعة متعلقا سوى الخبر والأقضية فالوجه التعلق بالخبر وإن وجدنا مسلكا في الدليل سوى الخبر فالتمسك به أولى.
١٢١١- ومما ينبغي أن يتنبه الناظر له: أن مذاهب الصحابة إذا نقلت من غير إجماع فلا نرى التعلق بها وإذا نقلت في معارضة خبر نص على المخالفة التي لا تقبل تأويلا فتعين التعلق بالمذاهب وليس هذا على الحقيقة تعلقا بالمذاهب وإنما هو تعلق بما صدرت المذاهب عنه وما ذكرناه في أئمة الصحابة يطرد في أئمة التابعين وأئمة كل عصر ما لم تقف على خبر.
وبيان ذلك بالمثال: أن مالكا رضي الله عنه يرى تقديم أقضية الصحابة رضي الله عنهم على الخبر مطلقا من غير تفصيل وقد لا نأمن أن يكون بعض تلك الأقضية ممن لم يبلغه الخبر أو بلغه ونسيه.
فإذا لم يفصل مالك تبينا أنه لم يكن مطلعا على حقيقة هذا الأصل فلا جرم نقول: إذا روى مالك خبرا وخالفه لم نبل بمخالفته من حيث لا نثق بتحقيق منه في.