وأما كون الجاني معصوما فلا أثر له في هذا المقام مع أنه سعى في دم من غير أن يفرض له تقدير عذر فكان ما أقدم عليه مسقطا حرمته وخارما عصمته والشبهات إنما تنشأ من فرض أمر يقدر للجاني عذرا على قرب أو على بعد وهو منشأ الشبهات على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
١٢٦٦- فإذا تمهدت هذه القاعدة [فغرض هذه] المرتبة إلحاق فرع بهذا الأصل مع تقدير الوفاق فيه.
فنقول في الطرف: إنه صين بالقصاص على المنفرد فليصن بالقصاص على المشتركين كالنفس وهذا أجلى ولكنه في أعلى مراتب الظنون.
١٢٦٧- فإن قيل: ما سبب خروج هذا القياس عن مسالك العلوم مع استبانة [استقائه] من القاعدة كما ذكرتموه؟ قلنا: في القاعدة على الجملة نظر.
أما إسقاط أصل القصاص عن المشتركين فمعلوم بطلانه قطعا فإنه مبطل لحكمة العصمة وأما قتل واحد من المشركين لا بعينه مع تفويض الأمر إلى رأى من له القصاص فليس يرد ذلك ولكنه يقع في مجال الظنون.
ثم في إلحاق الطرف بالنفس ثلاثة أشياء يطرق كل واحد إليه الظن:
أحدها: أن قائلا لو قال: لو أفضى قطع الطرف إلى النفس لوجب القصاص على المشتركين وتقرير ذلك مردعة لهم فلا يؤدي ذلك إلى الهرج هذا وجه واقع ودافعه أنه لو صح لسقط القصاص في الطرف أصلا فإذا جرى القصاص مع الاندمال أشعر ذلك باعتناء الشرع بتخصيصه بالصور حتى كأن الطرف مع النفس كزيد مع عمرو في أن كل واحد منهما مقصود بالصون.
١٢٦٨- والوجه الثاني: مما يقتضي الظن ظن الخصم أن ما ذكرناه من الجمع في حكمه القصاص ينقضه تمييز فعل أحد الشريكين في القطع عن فعل الشريك الثاني فإذا كان كذلك فهو ممكن غير عسير ثم لا قصاص على واحد منهما وهذا إن سلم فهو لعمري قادح في الجمع وقد صح فيه منع كما يعرف الفقهاء.
١٢٦٩- والوجه الثالث: أن الطرف مما يقبل التبعيض فيصور الخصم أن القطع الواقع على صورة الشركة يحمل على وقوعه على التبعيض إذا كان المجني عليه قابلا للتبعيض.