تفاصيل ما يقع فيما لا يزال ولئن كان يلزم من تجدد الإحكام البداء لزم من تجدد الحوادث إماتة وإحياء وإعاشة [وإرداء] ما ادعاه هؤلاء وليس الأمر كذلك.
١٤٢٦- فإن ردوا الامتناع إلى ما يتعلق باستصلاح العباد واستفسادهم فهذا غير مرضى عندنا في حكم الله تعالى ثم لا يمتنع في غيبه أن يكون الاستصلاح في تبديل الأحكام كلما فتر قوم في امتثال الأحكام أرسل الله تعالى إليهم مبتعثا جديدا بحكم جديد فلا وجه لادعاء الاستحالة من طريق العقل.
١٤٢٧- وزعم زاعمون أن النسخ ممتنع من جهة السمع.
وادعى طوائف من اليهود: أن موسى عليه السلام أنبأهم أن شريعته مؤبدة إلى قيام الساعة وزعم هؤلاء أن طريق معرفة ذلك من دينهم كطريق معرفتنا بذلك من ديننا.
١٤٢٨- وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أن الأمر لو كان كذلك لما قامت معجزة عيسى عليه السلام ومعجزة محمد صلى الله عليه وسلم بعده على نسخ ملة موسى فإن أنكروا قيام المعجزة رد الكلام معهم إلى أصل النبوات وكان سبيل إنكارهم معجزة من بعد موسى كسبيل إنكار من يجحد معجزة موسى.
١٤٢٩- والوجه الثاني: أن ما ادعوه من دينهم لو كان صريحا لأظهروه وباحوا به من عصر نبينا عليه السلام ولا تخذوا ذلك أقوى عصمهم ولو فعلوا ذلك لنقله الناقلون متواترا لأن الأمر الخطير لا يخفى وقوعه وتتوفر الدواعي على نقله فقد ثبت جواز النسخ عقلا وشرعا.
١٤٣٠- ولو أردنا أن نبتدئ الدليل على جوازه فأقرب مسلك فيه التمسك بمعجزة عيسى بعد موسى عليهما السلام ثم التمسك بالإجماع في تحريم الخمر بعد ثبوت تحليلها في صدر الشرع وهذا على من ينكر النسخ من اهل الملة ممن ينتمي إلى المسلمين ثم نقول لهؤلاء: لا شك في مخالفة [دين نبينا] محمد صلى الله عليه وسلم دين موسى وعيسى عليهما السلام في معظم قواعد الشريعة فكيف السبيل إلى تصديق الأنبياء مع إنكار النسخ؟ وهذا فيه أكمل مقنع.