فعلت أو تركت وبين قوله افعل فإن الصيغة الأخيرة مقتضاها الطلب لا محالة وليس في الإباحة من معنى الطلب شيء.
فقد لاح سقوط الإباحة عن متضمن الصيغة ولم يبق إلا الندب.
والندب من ضرورة معناه [التخيير] في الترك وليس في قول القائل "افعل" تخيير في الترك أصلا.
وقد تعين الان أن نبوح بالحق ونقول "افعل" طلب محضلا لا مساغ فيه لتقدير الترك فهذا مقتضى اللفز المجرد عن القرائن.
فإن قيل فهذا مذهب الشافعي رحمه الله وأتباعه وهو المصير إلى اقتضاء اللفظ إيجابا قلنا ليس كذلك فإن الوجوب عندنا لا يعقل دون التقييد بالوعيد على الترك وليس ذلك مقتضى تمحيض الطلب فإذا الصيغة لتمحيض الطلب والوجوب مستدرك من الوعيد وبين هذا وبين ما حكيناه عن عبد الجبار مضاهاة في المسلك وبيان عظيم في المغزى والمدرك.
وأنا أبنى على منتهى الكلام شيئا يقرب ما [اخترته] من مذهب الشافعي رحمه الله.
فأقول ثبت في [وضع] الشرع أن التمحيض في الطلب متوعد على تركه وكل ما كان كذلك لا يكون إلا واجبا وهذا منتهى المسألة وبالله التوفيق.
فصل:
١٣٨- الصيغة التي تكلمنا على أصلها تفرض مطلقة ومقيدة وتتعلق بها وهي مطلقة مسائل جمة وتتعلق بها وهي مقيدة مسائل وأحكام.
ونحن نبدأ بأحكام الإطلاق ونسرد مسائله ثم نذكر التقييد ومعناه وأحكام المقيد وما يقع التقييد به من حال أو مقال أو سوابق أو لواحق احق إن شاء الله.