١٥٩- فأما من قال من أصحاب الوقف إن من بادر إلى إيقاع الفعل المطلوب لم يقطع بكونه ممتثلا فهذا مجاحدة وخروج عن حكم اللسان بديهة وضرورة فإن من أطلق الصيغة [ولم تثبت] قرينة تقتضي التأخير فالمخاطب إذا ابتدر عد مسارعا إلى الطاعة [وكان ممتثلا قطعا] ومن أنكر هذا فهو.
ملتحق بمن يعاند في مظان الضرورات فالذي يجب القطع به أن المبتدر ممتثل والمؤخر عن أول زمان الإمكان لا يقطع في حقه بموافقة ولا مخالفة فإن اللفظ صالح للامتثال والزمان الأول وقت له ضرورة وما وراءه لا تعرض له.
١٦٠- فإن قيل: قد أجريتم في أثناء الكلام لفظة واقعة إذ قلتم إن الطلب ناجز قلنا لا يستقل هذا الكلام بإثبات غرض فإن الطلب ليس مجحودا وإنما محل التردد أنه طلب مقتضاه إيقاع المطلوب ناجزا أو هو طلب مرسل مقتضاه إيقاع المطلوب في أي وقت كان ومن ظن أنه يسلم له أن الأمر طلب إيقاع ناجز فقد طمع في تسليم المسألة من غير دليل.
١٦١- وإذا نجزت المباحثة عن هذه المآخذ فالذي أقطع به أن [المطالب] مهما أتى بالفعل فإنه بحكم الصيغة المطلقة موقع المطلوب وإنما التوقف في أمر آخر وهو أنه إن بادر لم يعص وإن أخر فهو مع التأخير ممتثل لأصل المطلوب وهل يتعرض للإثم بالتأخير فقيه التوقف.
وأما وضع التوقف في أن المؤخر هل يكون كمن يوقع ما طلب منه وراء الوقت الذي يتأقت به الأمر حتى لا يكون ممتثلا أصلا فهذا بعيد فإن الصيغة المطلقة مسترسلة ولا اختصاص لها بزمان وعن هذا أجمع المسلمون على أن كل مأمور به بأمر مطلق [إن لم] يجز تأخيره [فقد امتثل] فإذا فرض تأخيره ثم إقامته فليس ما أقيم مقضيا قضاء وإنما هو مؤدي حتى كأن الذي يوجب الفور يقدر للأمر غرضين أحدهما إيقاع المطلوب والثاني البدار به ولن يبلغ الزمان الأول في الإمكان مع اعتقاد الفور والبدار فيه مبلغ الوقت المؤقت في صيغة اللفظ وهذا واضح بين لا إشكال فيه.
وكأن هذه الطريقة التي استقر عليها الاختيار تجمع محاسن المذاهب كلها من النظر إلى استرسال اللفظ وتوقع اللوم والقطع بالامتثال للمبادر ورد التوقف إلى اللوم في التأخير مع القطع بوقوع الفعل مهما وقع امتثالا فإن اللفظ لا اختصاص له بوقت معين.