١٦٥- فأما من قال النهى عن الشيء أمر بأحد أضداد المنهى عنه فقد اقتحم أمرا عظيما وباح بالتزام مذهب الكعبي في نفي الإباحة على ما سنذكر ذلك في باب النهي فإنه إنما صار إلى ذلك من حيث قال لا شيء مقدر مباحا إلا وهو ضد محظور فيقع من هذه الجهة واجبا فإن ترك المحظور واجب وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.
١٦٦- ومن قال الأمر بالشيء نهى عن الأضداد أو متضمن للنهي عن الأضداد وليس النهي عن الشيء أمرا بأحد الأضداد من حيث تفطن لغائلة الكعبي فقد تناقض كلامه فإنه كما يستحيل الإقدام على المأمور [به] دون الانكفاف عن أضداده فيستحيل الانكفاف عن المنهى عنه دون الاتصاف بأحد الأضداد ولا يمتنع وجوب شيء من أشياء فهذا نجاز المسألة.
مسألة.
١٦٧- إذا وقع المأمور به المقتضى على حسب الإقتضاء أجزأ وكفى والمسألة مترجمة بأن موافقة الأمر تتضمن الإجزاء [أم لا] ؟.
وذهب بعض المستطرفين في علم الأصول من الفقهاء إلى أن الإجزاء لا يثبت إلا بقرينة وإن وقع الفعل على حسب الاقتضاء وسقوط هذا المذهب واضح لا حاجة إلى تكلف فيه ولكن تحرير الكلام على أوقع وجه وأقربه أن نقول لمن يشبب بالخلاف في المسألة أتسلم أن الأمر لا يقتضي حالة الإطلاق تكرير الفعل المقتضي فإن لم يسلم ذلك رددنا الكلام إلى المساق المقدم في الرد على أصحاب التكرار وإن سلم ذلك وقد وقع الامتثال فلا معنى للإجزاء إلا قيام المخاطب بموجب الأمر من غير أن يبقى طلبة من قضية الأمر فلئن فرض فارض اقتضاء أمر آخر فلا بد من تقدير أمر جديد ولا منع من تقدير ذلك ولا يتصور مع هذا الفن من الكلام مرادة وتشبيب باعتراض.
١٦٨- فإن قيل الحاج إذا أفسد حجة فهو مأمور بالمضي في فاسد الحج وإذا مضى فيه كما أمر لزمه في مستقبل الزمان افتتاح حج صحيح فلم يقع إذا مضيه مجزئا عنه وإن كان مأمورا به وهذا قول من يتلقى الحقائق في الأصول من خيالات في مضطرب الظنون المتعلقة بالفروع.