١٨٢- والمسلك الثاني للأصحاب: أن المعدوم يجوز أن يكون مأمورا به فلا يمتنع أن يكون مأمورا وهذا عرى عن التحصيل فإن المعنى بكون المعدوم مأمورا به أن المخاطب اقتضى منه أن يوقع ما ليس واقعا وهذا لامتناع فيه بل هو مقصود الآمر فأما تقدير تعليق الأمر بالمعدوم وتوجيه الطلبة عليه فلا يضاهي ما تمسك به هذا القائل من تقدير كون المأمور به غير محصل عند توجيه الطلب به فقد سقط المسلكان.
١٨٣- فإن قيل: فما الذي ترونه؟ قلنا: نذكر طريقة للشيخ على أقصى الإمكان ثم ننبه على غائلة هائلة ونحيل التقصي عنها على فن الكلام.
فالذي ذكر الشيخ رحمه الله أنه لا يمتنع قيام الأمر منا بالنفس مع غيبة المأمور فإن المزمع على أمر غائب يجد في نفسه الأمر على حقيقته وجدان العلم والإرادة وسائر معاني النفس ثم إذا شهد المأمور ارتبط [به الأمر] عند بلوغه إياه وإذا لم يمتنع ذلك في كلامنا فهو المعنى بثبوت الأمر أزلا.
١٨٤- ثم قال شيخنا رحمه الله: المعدوم مأمور على تقدير الوجود وليس هو على حكم المأمورين ناجزا والعدم مستمر وغرض المسألة إثبات الأمر أزلا من غير مأمور ولا محاولة إثبات المنتفي مأمورا مع استمرار العدم.
وهذه المسألة إنما رسمت لسؤال المعتزلة إذ قالوا: لو كان الكلام أزليا لكان أمرا ولو كان أمرا لتعلق بالمخاطب في عدمه فإذا بينا أنه لا يمتنع ثبوت الأمر من غير ارتباط بمخاطب فقد اندفع السؤال فال الأمر إلى أن المعدوم مأمور على شرط الوجود وهذا منتهى مذهب الشيخ رضي الله عنه.
١٨٥- فأقول: إن ظن ظان أن المعدوم مأمور فقد خرج عن حد المعقول وقول القائل إنه مأمور على تقدير الوجود تلبيس فإنه إذا وجد ليس معدوما ولا شك أن الوجود شرط في كون المأمور مأمورا.
وإذا لاح لك بقي النظر في [أمر بلا مأمور] وهذا معضل الأرب فإن الأمر من الصفات المتعلقة بالنفس وفرض متعلق له محال والذي ذكره في قيام الأمر بنا في غيبة المأمور فهو تمويه ولا أرى ذلك أمرا حاقا وإنما هو فرض تقدير وما أرى الأمر لو كان كيف يكون وإذا حضر المخاطب قام بالنفس الأمر الحاق المتعلق به والكلام الأزلي ليس تقديرا فهذا مما نستخير الله تعالى فيه وإن ساعف الزمان أملينا.