وحاصل القول في هذه المسالك رد الأمر إلى القصد والغرض من النهي عن الزنا ألا يكون الزنا لا أن يكون ضد من أضداده فالمباحات مقصودة منتحاه بقصد الإباحة وليست مقصودة بالإيجاب وما عندنا أن الكعبي ينكر ذلك ونحن لا ننكر أن المباحات تقع ذرائع إلى الانكفاف عن المحظورات.
والذي يوضح ما نحاول: أن الزنا محظور لنفسه وهو ترك للقتل فليكن محظورا من حيث إنه زنا واجبا من حيث إنه ترك للقتل ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة ثم إنكار الإباحة هجوم عظيم على الإجماع فإن الكعبي ورهطه مسبوقون بإجماع الأمة على الإباحة ووجهه ما ذكرناه آنفا.
مسألة:
٢٠٦- المكروه لا يدخل تحت الأمر المطلق عند المحققين وإن لم يكن محرما وسيأتي الكلام على معنى نهى الكراهية.
وذهب ذاهبون من الفقهاء [إلى] أنه داخل تحت الأمر والدليل على ما ارتضاه المحققون أن الأمر طلب واقتضاء والمكروه ليس مطلوبا ولا مقتضى فكيف يقع امتثالا للاقتضاء؟ مع تحقيق المنع عنه فضلا عن الاقتضاء والمباح لا يقع مأمورا به لأن من حقيقته التخير فيه فإذا لم يدخل المباح تحت الأمر فكيف يندرج تحت [قضيته] المزجور عنه؟
وهذه المسألة مثلها الأئمة بالترتيب في الوضوء وقالوا الأمر بالوضوء عند القيام جازم محمول على الإيجاب والاقتضاء البات والوضوء المنكس عند من لا يرى الترتيب مستحقا مكروه فلا يدخل تحت مقتضى الأمر فيبقى الأمر متوجها إلى وقوع امتثال مقتضى مطلوب.
هذا منتهى كلام الأصحاب في ذلك.
٢٠٧- والذي أراه أن ما ذكروه إن لم يصدر عن رأى مخمر فلا حاصل له وإن صدر هذا القول عن ذي بصيرة فهو تلبيس ووجه الكشف فيه أنا لا ننكر وقوع الشيء مجزيا مسقطا فرض الامتثال المحتوم وإن كان وقوعه على حكم الكراهية ومن [تتبع] قواعد الشريعة ألفى من ذلك أمثلة تفوق الحصر فلا يمتنع إذا.