تدل على أنه يستجيب لمقتضيات العصر في تجربته ولغته وصورته الفنية. ولكل عصر حداثته الخاصة، وقد يكون للحداثة في العصر الواحد أكثر من مظهر واتجاه. ومن حق أبناء كل عصر أن يجدوا أنفسهم في أدب عصرهم وإلا انتفت عنه الحداثة. ولكل عصر تياره الأدبي العام السائد، تواكبه تيارات فرعية نابعة منه أو مستقلة عنه، لكنها لا تزعم لنفسها السيطرة التامة على المواهب والأذواق ما دامت عاجزة عن الوصول إلى متلقي الأدب الذين يدركون بثقافتهم ووعيهم التحول من القديم إلى الجديد، ويحسنون الظن بالجديد ولا يقيسونه دائمًا إلى القديم، ومع ذلك لا يستطيعون أن يعايشوا تلك التيارات المسرفة في التجريب والتجديد. فاللغة ليست مجرد أصوات كالموسيقا ولا مجرد خطوط كالرسم، بل هي كلمات ذات دلالات مألوفة وأبنية معروفة يكسبها الشاعر الموهوب دلالات جديدة ويستخرج منها أبنية مبتكرة، ولكنه لن يستطيع أن يخلصها تمامًا من معانيها وأبنيتها المعروفة لدى الناس.
ولا شك أن "التجريب" وسيلة مشروعة ومطلوبة في أي فن من فنون الأدب. وهو الطريق إلى تجنب الجمود وإلى مسايرة المراحل الحضارية المتعاقبة. لكنه لا ينبغي أن يكون مقصودًا لذاته ولا أن يتجاهل استجابة المعاصرين أو إعراضهم عنه إذا أتيح له المدى الزمني المعقول ليخلص من عثرات التجربة وتقترب نماذجه من النضج وتمحو معايشة المتلقي له ما قام في نفسه في البداية من شعور بالغرابة.
وقد أتيح لشعراء "الحداثة" هذا المدى الزمني المفروض، فانقضى على بداية اتجاههم نحو عشرين سنة، ولقي من وسائل النشر ما يسر وصوله إلى القراء. ومع ذلك ما زال يتعثر في تجربته وتزداد عزلته يومًا بعد يوم عن القراء، برغم