جهود كثيرة من النقاد لبيان نظريته وتقديم نماذجه.. والمألوف في أي تيار أدبي جديد أن يلقى شيئًا من الصد أو الخصومة في البداية، لكنه -إذا كان مبشرا بمذهب يوشك أن يظهر ويسود لأنه يعبر عن مرحلة جديدة يوشك المجتمع أن ينتقل إليها- لا بد أن يجد طريقه إلى الناس في النهاية بقراءة نصوصه ومتابعة نظرياته. أما إذا طال الأمد على هذا النحو وظلت الغربة قائمة بين النص والمتلقي فلا بد أن يعيد الشعراء والنقاد النظر في ذلك المذهب الجديد، فليس الشعر مجرد "تنفيس" عن هموم الشاعر دون تفكير في التواصل مع الآخرين، وليست لحظة الإبداع "غيبوبة" فنية تأتي بما لا مجال لإعادة النظر فيه على ضوء موقف أبناء العصر منه، وبمقدار قدرته على التأثير في حياة الناس وإمتاعهم أو عجزه عن التأثير والإمتاع.
ولن يغني عن الشعراء في هذا المقام ما يقولونه ويقوله بعض النقاد المنتصرين لذلك الاتجاه من تعبيرات ذات إيقاع ضخم ودلالة غير محدودة، كقولهم: إن الشاعر لا بد أن "يفجر" اللغة. ولن يستطيع شاعر مهما تكن قدرته وموهبته أن يفجر اللغة، فيعيد صياغة ألفاظها وعباراتها وأساليبها على نحو جديد. وغاية الشاعر المجدد الموهوب أن يخلع على بعض الألفاظ بعض الدلالات الجديدة ويضعها في سياق غير مألوف، ويبني عبارته الشعرية بناء متميزا يتجنب الأنماط المكررة والصيغ المستهلكة والمجازات التي فقدت أصالتها لطول ما استخدمها الشعراء. لكن أنصار هذا الاتجاه من النقاد يجارون الشعراء في أساليبهم الغامضة ويدرسون شعرهم بمناهج نقدية لا تعترف بالتقويم، وتقنع بالتحليل الشكلي للنص الشعري فيتساوى عندها الجيد والرديء إذ يشتركان في ظواهر شكلية واحدة. وهم بهذا يبررون للمغالين في التجريب ما في شعرهم